على هامش تمرير مشروع مراجعة أنظمة التقاعد: مساهمة في النقاش
تم الاتفاق بعد نقاش وبالإجماع على ضرورة الحضور والتصويت ضد المشروع الحكومي. لكن ما حصل يوم الجلسة العامة كان مفاجئا ومأساويا.
عبد العزيز إوي
عضو المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل
قبل أيام من عيد الفطر تمكنت الحكومة من تمرير مشروعها لمراجعة أنظمة التقاعد في الغرفة الثانية حيث هي تشكل أقلية. وقد تعاقبت بعد ذلك عدة تعليقات ومؤاخذات حول موقف كل مجموعة أو فريق داخل الغرفة الثانية تجاه الملف. ومساهمة في النقاش أود ان أدلي بمقاربتي من زاوية مختلفة نسبيا عما تم تداوله إلى حد الآن.
إن الأمر، في تقديري يتعلق بتدبير النقابات لمعركة ملف التقاعد، ومن هذه الزاوية أود الإشارة إلى أن المعركة حول ملف التقاعد تنقسم إلى شطرين:
الشطر الأول :
- يتعلق بالمعركة الميدانية التي انخرطت فيها النقابات منذ شتنبر 2014 بعد الإضراب العام الذي أطلقته الفيدرالية الديمقراطية للشغل يوم 23 شتنبر، والإضراب العام ليوم 29 أكتوبر الذي تلاه. هاتان المحطتان هما اللتان فرضتا على القيادات النقابية الدخول في سلسلة من المحطات الاحتجاجية خلال ستني 2015 و 2016.
- وبغض النظر عن انتقاداتنا لتدبير هذه المرحلة ومؤاخذاتنا على الأشكال النضالية المعتمدة، وتسجيلنا للوعود بالتصعيد الذي لم يتجاوز عتبة التهديد والتلويح، فقد أفضت هذه المرحلة الاحتجاجية إلى إعلان الحكومة عن عزمها استقبال النقابات ذات التمثيلية يوم 12 أبريل 2016.
- قبل الدخول لحوار 12 أبريل، استجابت الحكومة لطلب النقابات بعقد اجتماع لتحضير جدول الأعمال لجلسة يوم 12 أبريل.
في هذه الجلسة رفضت الحكومة مطلب النقابات بإدراج نقطة ملف التقاعد في جدول الأعمال، بدعوى أن الملف مطروح لدى الغرفة الثانية للنقاش، وأن النقابات ممثلة في هذه الغرفة، وأن الحكومة ستبقى منفتحة على كل التعديلات التي ستتقدم بها النقابات.
من جهة أخرى لم تطلب النقابات إدراج ملف الاقتطاع من أجور المضربين الذي هو جزء من ممارسة الحق النقابي، في جدول الأعمال، كما لم تطلب إدراج ملف الأساتذة المتدربين الذي ظل مشكلهم منفجرا منذ شهر أكتوبر 2015. - هكذا إذن دخلت النقابات الأكثر تمثيلية للحوار مع الحكومة بتنازلات في جدول الأعمال منذ البداية، واكتفت بإثارة ملفي الاقتطاعات وملف الأساتذة المتدربين عرضا في تدخلاتها الشفوية. أما ملف التقاعد فقد واجهت الحكومة استراتيجية النقابات عبر محاولة فرضه عمليا في مائدة الحوار بالرفض التام.
بل اكتشفت النقابات الرفض الحكومي للعديد من المطالب التي كانت النقابات تعتبرها بسيطة وعادلة. - وبفعل تحجر الموقف الحكومي، وبفعل تمسك النقابات بضرورة إدراج ملف التقاعد في الحوار الاجتماعي، إلى جانب تمسكها ببعض المطالب التي لها علاقة بتحسين الدخل، توقف الحوار مع الحكومة من جديد، وتقدمت النقابات في نهاية أبريل بمذكرة مطلبية تؤكد موقفها من العرض الحكومي البئيس.
وعندما قررت الحكومة تحريك ملف التقاعد داخل الغرفة الثانية نظمت النقابات وقفات احتجاجية أمام البرلمان، واحتجاجات داخل قبة البرلمان…
الشطر الثاني:
- تحرك ملف التقاعد في الغرفة الثانية بإرادة التحالف الحكومي، وتحركت بالموازاة معه النقابات في اتجاه الفرق البرلمانية في المعارضة من أجل دعم موقفها بوقف المخطط الحكومي والمطالبة بإرجاع الملف إلى الحوار الاجتماعي أولا.
- وقد مكنت هذه الاستراتيجية التي دعمت فيها احزاب المعارضة موقف النقابات من تأجيل مناقشة الملف عدة أسابيع. بعد ذلك لجأت الحكومة إلى سلوك مسطرة استثنائية تقضي بالشروع في مناقشة ملف التقاعد مباشرة بقرار من رئيس اللجنة المكلفة دونما حاجة لموافقة أعضاء المكتب.
- في هذه المرحلة ارتبك أيضا الموقف النقابي، فبدل التشاور مع حلفائها من أحزاب المعارضة التي ساندتها في المرحلة السابقة قررت نقابتان مقاطعة مناقشة المشروع في اللجنة المكلفة، وانسحبتا تاركتين الحكومة لوحدها تصول وتجول.
- يتضح إذن أن النقابات التي كانت تتقدم معركة الدفاع عن ملف التقاعد قد انسحبت بقرار انفرادي، معرضة بذلك التحالف الهش الذي كان حولها داخل الغرفة الثانية للتشتت. ولم تقم النقابات المنسحبة بأية مبادرة تجاه أحزاب المعارضة استعدادا للجلسة العامة، وذلك عبر استقطاب أكبر عدد من المستشارين ضد الموقف الحكومي. لقد بقيت فرقها طيلة مدة مناقشة مشروع التقاعد معزولة عاجزة إلى أن حان يوم التصويت في الجلسة العامة.
- عشية الجلسة العامة، انعقد اجتماع للمستشارين النقابيين في المعارضة في الغرفة الثانية، وتم الاتفاق بعد نقاش وبالإجماع على ضرورة الحضور والتصويت ضد المشروع الحكومي. لكن ما حصل يوم الجلسة العامة كان مفاجئا ومأساويا.
- يوم الجلسة العامة طلب الأخ فاتحي الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل عرض مقترحات مركزيتنا التي رفضتها الحكومة في اللجنة، على التصويت في الجلسة، وكان عددها ثمانية قبلت الحكومة منها مقترحا واحدا هو تجزيء ثلاث سنوات على ستة سنوات. وعندما تم عرض تلك المقترحات امتنع المستشارون النقابيون عن التصويت عليها في حين أنها منبثقة من صلب عدد من المقترحات التي قدموها في الملف.
الخلاصة
- أن المسؤول الأول عن ملف التقاعد هو المنظمات النقابية التي تحتل المراتب الأولى في التمثيلية، وأنها هي المسؤولة الأولى عن سوء تدبيرها لهذا الملف. وأنها هي المسؤولة عن انفراط مستشاري المعارضة من حولها بفعل تشتت موقفها داخل قبة البرلمان. فلا تطلب من غيرك المساعدة عندما تكون أنت عاجزا عن مساعدة نفسك.
- إن النقابات خسرت أيضا معركة الملف الاجتماعي، فحوار 12 أبريل الماضي لم يفض إلى أية نتيجة، لقد أقبرت الحكومة كل نتائجه الأولية، ممعنة في إهانة النقابات المشاركة في الحوار. لقد جرت العادة أنه عندما لا يتم التوصل إلى اتفاق في الحوار الاجتماعي تقوم الحكومة بتنفيذ مقترحاتها من جانب واحد.
- أن الحكومة تحظى بدعم راجح لأرباب العمل في هذا الملف، فلولا تمسكهم بالحضور لأكثر من أربع ساعات (وهم أربعة) لما تمكنت الحكومة من تمرير ملف التقاعد.
لقد خسرت النقابات ملف التقاعد مند البداية . حيث أن النقاش انصب على الجوانب التقنية دون الحديث عن جوهر المشكل .
أولا : كان على النقابات المسماة أكثر تمثيلية أن تطالب الحكومة بالكشف عن مئات الملايير الدراهم المسروقة من الصندوق و المطالبة بإرجاعها . سواء تلك التي كانت تسحبها وزارات المالية المتعاقبة مند 1962 إلى 1996 وتضخها في ميزانية التسيير !!! لأن الصندوق في تلك الفترة كان ملحقة لوزارة المالية . أو تلك الأموال التي سحبها صندوق الإيداع و التدبير على امتداد 50 سنة واستثمرها في مجالات لا تعود بالنفع على المتقاعدين !!!! مثل الفنادق الفخمة من 5 نجوم و المرينات و ملاعب الكولف.
تانيا : كان على النقابات المسماة أكثر تمثيلية أن تطالب بتقرير مالي يصدره المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد . علما أن المجلس أقر في أكثر من مرة أن الصندوق لا يعرف عجزا ماليا كما يدعي بنكيران و صحبه بل إن الصندوق عرف فائضا ماليا قدر ب 6 مليار درهم سنة 2014
ومرتقب أن يزداد الفائض سنة 2015 بفضل بيع العديد من الممتلكات التابعة للصندوق .
تالثا : كان على النقابات المسماة أكثر تمثيلية أن تطالب بمئات الملايير الدراهم المتحصلة من بيع عقارات و آليات باهظة الثمن في ملكية الصندوق .
النقابات سكتت عن كل هذه الثروة المسروق من أموال راكمها الأجراء بالعرق الأسود الذي طالما تصبب من جبينهم.
** من هنا بدأت الحكاية لقصة بدون نهاية .
شكرا للأخ محمد كرميم على مساهمتك لإثراء النقاش