آخر المستجدات

فرنسا: قانون شغل جديد للتراجع عن مكتسبات نضالات قرن من الزمن

البشير جابري
كانت صحفية القناة الفرنسية فرنسا 24 تقدم تغطيتها الصحفية لتظاهرة يوم الثلاثاء 14 يونيو 2016 المنظمة من طرف نقابة سي جي تي (النقابة العامة للشغل)، حين اقترب منها أحد المتظاهرين طالبا منها توجيه الكاميرا إلى التظاهرة بدل توجيهها إلى حديقة خالية من الناس متسائلا: “ماذا تغطين ؟ التظاهرة هناك وأنت تديرين ظهرك للفراغ وراءك”.
للرد على التعتيم الإعلامي الرسمي حول حجم مظاهرات الرافضين للمشروع، إضرب عمال المطابع وشركات التوزيع والنشر عن العمل في اليوم الذي كان من المفترض أن تصدر فيه رسالة رئيس الوزراء مانويل فالس الموجهة إلى الأجراء، عبر وسائل الإعلام المكتوبة.
نحن فعلا أمام نزاع اجتماعي كبير في فرنسا بين الحكومة والنقابة، بلغ إلى حد أن كل طرف يقيم الحضر الإعلامي على الآخر. للحكومة الفرنسية تعاقدات والتزامات مع الجهات الداعمة لها، ولديها برنامج عمل لابد من أن تسير فيه إلى آخر المطاف. وكذلك لابد للنقابة أن تؤدي دورها التاريخي للحيلولة دون التراجع على مكتسبات نضال قرن من الزمن.
فما هي أهم التغيرات التي ستطرأ على قانون الشغل الفرنسي في حالة تبني هذا القانون الجديد المسمى باسم وزيرة الشغل مريم الخمري ؟

  1. تراتبية مؤسسات الحوار:
    القانون الحالي: مدونة الشغل هي المرجع الأول، ثم يليها اتفاق الفرع اتفاق الفرع أو الاتفاق القطاعي هو نص المعاهدة التي يوقعها ممثلو العمال وأرباب العمل لشركات في نفس الصناعة، وأخيرا الاتفاقية الجماعية داخل المقاولة.
    مشروع مريم الخمري: مع هذا المشروع ستنقلب التراتبية فتصبح الأولوية للاتفاقية الجماعية، ثم يليها اتفاق الفرع، وفي الأخير مدونة الشغل للاستئناس ويتم الرجوع إليها عند عدم التوصل إلى اتفاق داخل المقاولة أو الفرع.
  2. الضبابية في تواريخ العطل:
    القانون الحالي: يمكن للمشغل أن يقوم بتغيير مواعيد العطل، لكن القانون يحتم عليه إبلاغ الأجير قبل شهر على كل تغيير.
    مشروع مريم الخمري: يمكن للمشغل تغيير مواعيد العطل، وموضوع أجل الإخطار يتم الاتفاق عليه في اتفاق المقاولة، وقد ينزل هذا الأجل إلى 3 أيام فقط، مما سيخلف مشاكل في تدبير عطل الأجراء.
  3. أجل الإخطار ببرنامج العمل:
    القانون الحالي: يحدد القانون المدة الفاصلة بين أي تغيير يطرأ على مواقيت العمل وكذلك المعاملات الإدارية.
    مشروع مريم الخمري: تم إرجاء تحديد هذا الأجل إلى اتفاق المقاولة أو التخفيض منه لكي يمنح حرية أكبر للمشغل.
  4. التسريح لأسباب اقتصادية:
    القانون الحالي: الأسباب الاقتصادية للتسريح معرفة من طرف القانون، ووحدهم القضاة لهم الحق من التحقق من الوضعية الاقتصادية للمقاولة.
    مشروع مريم الخمري: ليس للقضاة الحق في تقييم الوضعية الاقتصادية للمقاولة، فأصبح للمقاول الحق في تسريح العمال لأسباب اقتصادية ولو كانت المقاولة في وضعية مربحة كأن تكون لها فروع أم مجالات واعدة.
  5. اتفاقية الحفاظ على الشغل واتفاقية تنمية الشغل:
    القانون الحالي: قانون حماية الشغل يتضمن تعاقدات من أجل الحفاظ على الشغل عندما تكون المقاولة في وضعية صعبة، هذه التعاقدات تتم بعد الاتفاق بين إدارة الشركة والنقابات ذات تمثيلية تحت مظلة قانون الشغل.
    مشروع مريم الخمري: يمكن اللجوء إلى اتفاقية الحفاظ على الشغل أو اتفاقية تنمية الشغل رغم أن المقاولة لا تتعرض لأي صعوبات، هذا يعني السماح للمقاولين بتغيير القوانين الجاري بها العمل وخلق قوانين دائمة وغير استثنائية في فترات الاستثناء.
  6. التصديق على الاتفاقية الجماعية:
    القانون الحالي: الاتفاق يصبح قانونيا إذا صادق عليه مندوبو الأجراء يمثلون أكثر من 30 في المئة وإذا لم تعارضه النقابات الأكثر تمثيلية.
    مشروع مريم الخمري: يصبح الاتفاق نافذا إذا وقع عليه مندوبو الأجراء الذين يمثلون مجموع النقابات التي حصلت على أكثر من 50 في المئة، وإذا رفضت هذه النقابات التوقيع يتم اللجوء إلى مجموع النقابات التي لها تمثيلية تتجاوز 30 في المئة لتطلب تنظيم استفتاء داخل المقاولة. بهذه الطريقة يتم الالتفاف على نتائج انتخابات مندوبي الأجراء ويسمح للإدارة بالاستفراد بالأجراء عن طريق الاستفتاء من اجل ممارسة سياسة الوعد والوعيد.
  7. توزيع برنامج العمل:
    القانون الحالي: حاليا يتم اعتماد التوزيع السنوي أو التوزيع لمدة 4 أسابيع كحد أقصى ويبقى القرار بيد المشغل.
    مشروع مريم الخمري: يمكن توزيع برنامج العمل على مدى 3 سنوات بعد اتفاق الفرع او المقاولة. المشغل هو المتحكم الوحيد، وأجل الإخطار هو موضوع اتفاق داخل المقاولة.
  8. تجزيء وقت الراحة:
    القانون الحالي: يستريح الأجير على الأقل 11 ساعة كل يوم بين فترتي شغل.
    مشروع مريم الخمري: 11 ساعة للراحة في اليوم لن تعود متصلة، بإمكان المشغل تجزيئها.
  9. 60 ساعة عمل في الأسبوع:
    القانون الحالي: العمل 60 ساعة في الأسبوع في حالات استثنائية وبعد إخبار مفتش الشغل.
    مشروع مريم الخمري: إمكانية العمل لمدة 60 ساعة في الأسبوع، دون استشارة مفتشية الشغل وكلما رغب المشغل في ذلك أي دون وجود حالات الاستثناء.
  10. دور القضاء:
    القانون الحالي: قانون الشغل يحدد التعويضات الدنيا ولدى القاضي حرية تقدير الأضرار الناتجة عن الفصل والتي تكون غالبا لصالح الطرف الضعيف أي الأجير.
    مشروع مريم الخمري: ليس للقضاة الحرية في تقدير قيمة التعويضات وعليهم الالتزام بالأرقام الدنيا المحددة.

الحكومة الفرنسية واعية تمام الوعي أنه سيترتب عن تقديم مشروع مريم الخمري نقاش سياسي واجتماعي كبيرين، لذلك تحاول حصر الصراع بينها وبين النقابات. للحكومة الفرنسية التزامات، وستلجأ إلى المادة 49.3 من دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1959 لتبني المشروع. المادة 49.3 تسمح للمجلس الحكومي بتبني القوانين دون اللجوء إلى مصادقة الجمعية الوطنية (البرلمان)، فحسب هذه المادة، تتحمل الحكومة وحدها مسؤولية تبني القانون، ولها الحق في استعمال هذه المادة مرة واحدة في كل دورة برلمانية. اللجوء إلى هذه المادة من الدستور يعده الخبراء تعبير عن ضعف المكون السياسي في الجهاز التنفيذي أمام ممثلي الأمة في السلطة التشريعية، ومن جهة أخرى تعبير على سمو الجهاز التنفيذي في الدستور الفرنسي على السلطة التشريعية.
نقابة رجال الأعمال تؤيد مشروع الخمري، لأنه سيعيد تنظيم العلاقة بين الأجير والمشغل لصالح هذا الأخير، وبكلمات ذهبية يسميه واضعوه: مرونة أو حركية الأجراء، حرية تنقل البضائع والخدمات والناس، تشجيع التنافسية، تحرير رأس المال من القيود لخلق المزيد من فرص الشغل، ويقولون بكلمات قاسية: أنه ضروري لهزهزة المواطن الفرنسي الخمول الذي ألف الراحة والامتيازات.
بالنسبة للنقابات، القانون ينحاز بشكل واضح إلى المشغل ويجرد الأجير من الحماية القانونية، ويجعله في وضعية اللاأمن واللااستقرار واللااطمئنان على المستقبل، أما بالنسبة للحركة الطلابية، يقول أحد زعمائها: ” يعد هذا القانون هجوما غير مسبوق ضد الشباب والعمال”.
لقد استفاقت فرنسا على أنها كباقي الدول الرأسمالية عاجزة على تجاوز الأزمة البنيوية التي تنخر جسد الليبرالية المتوحشة، فلا هي قادرة على إيجاد مخرج اقتصادي ولا هي قادرة على التعويض على مواطنيها بغنائم الحروب والاحتلال.
مشروع الخمري هذا سيكون فارقا بين الحاضر والمستقبل بالنسبة لعلاقة الشغل، لن يعود قانون الشغل في فرنسا نموذجا تحتذي به النقابات من أجل وضع مذكراتها المطلبية، بعدما سيصبح مجردا من المكاسب التي حققتها الطبقة العاملة طيلة أزيد من قرن من الزمن، ويصير جديرا بدولة من دول العالم الثالث، ويخلف انتكاسة لطموحات الطبقة العاملة على المستوى العالمي.

أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: