النضال النقابي الشريف وسيلتنا لصون الحقوق والمكتسبات
عاصم منادي الإدريسي
عادة ما يكون لدى كل واحد منا تمثلاته وتصوراته المسبقة عن أي مفهوم أو موضوع أو قضية، وغالبا ما يكون مصدر هذه التمثلات هو الحس المشترك حيث يسهل ترويج مختلف الآراء والمعلومات ويتقبلها الأغلبية دون الاهتمام بمدى صدقها أو كذبها أو أسباب تكونها. وفي مجال التعليم العمومي يعد العمل النقابي أحد الدعامات الأساسية للقطاع، حيث ينهض بمسؤولية الرقابة على المسؤولين وتقديم المقترحات والحلول. ورغم أهميته البالغة تجد لدى أغلب نساء ورجال التعليم جهلا – له مبرراته وأسبابه – شبه تام بوظائف ومسؤوليات وقيمة العمل النقابي. أمام تناوب المسؤولين الحكوميين (ئيس الحكومة ووزيره في التعليم وبعض برلمانيي حزبه) على تشويه صورة أسرة التعليم هذه الأيام من خلال حملاتهم المستمرة باتت الحاجة ملحة لبناء وعي نقابي جديد يمتح من مبادئ الفعل النقابي النبيلة (التطوع، التضحية، تقديم الخدمات، احترام الواجب، العمل) ويقطع مع الممارسات السابقة القائمة على الاستغلال والبحث عن المصالح الضيقة، والتي أدت إلى تشويه صورته في بلادنا.
يقصد بالفعل النقابي ذلك العمل الذي يتطوع فرد/جماعة لأدائه والمشاركة فيه دفاعا عن حقوق/ مصالح الفئة/الطبقة التي ينتمي إليها. وهو ما يعني بدءا أنه عمل تطوعي خالص، يقوم به الشخص لاقتناعه بأهميته من جهة، وصونا لحقوقه ومكتسباته من جهة ثانية. وما دام المدرس/المدرسة موظفا يشتغل في إطار تعاقد قانوني مع الوزارة الوصية على القطاع، وما دامت هذه الوزارة تسعى دائما إلى تحميله مسؤوليات الفشل الناتجة عن سياساتها الفاشلة في القطاع، فإن ممارسة العمل النقابي واجب مفروض على كل نساء ورجال التعليم. لكن الواقع يكشف عن نفور أغلبية فئات الموظفين من العمل النقابي والنقابيين بشكل عام. وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا بسببين :
يتجلى الأول في الخيبات التي راكمتها المركزيات النقابية، والتنازلات الكبيرة التي قدمتها عبر التاريخ دون أن تهتم لرغبات قواعدها وجماهيرها من جهة، وانتهازية بعض القياديين والمسؤولين النقابيين وبحثهم عن مصالحهم الضيقة وأهدافهم الخاصة، الشيء الذي أدى مع مرور الزمن إلى فقدان الثقة فيهم من طرف القواعد.
أما السبب الثاني فهو النتيجة الطبيعية للأول. فقد نتج عن انعدام الثقة في القيادات والمركزيات النقابية نوع من النفور من العمل النقابي بسبب الصورة السلبية التي بات يظهر عليها في السنوات الأخيرة، وغياب الديموقراطية داخل هياكل ومكاتب أغلبية النقابات الأكثر تمثيلية. والتي تحولت إلى مؤسسات تتحكم فيها قلة قليلة تحيط بالزعيم/القائد الذي يأبى التنازل عن زعامة النقابة لغيره وتشبيب الأجهزة والمكاتب. والدليل على ذلك أن أغلب القيادات النقابية (كما هو حال القيادات الحزبية والسياسية والدينية) استخدمت سلطتها وقوتها من أجل تعديل القانون المتعلق بتمديد بقاء الزعيم على رأس الجهاز النقابي بعد استنفاذه للولايتين اللتين يسمح بهما القانون المنظم للنقابة. لذلك تجد في بعض المنظمات النقابية زعماء معمرين في زعامتهم لأكثر من ثلاثة عقود دون تغيير يذكر.
واليوم. وأمام انحسار وضعف العمل النقابي والفتور النضالي الذي يسيطر على نفوس أغلب الموظفين العموميين لا تفوت الحكومة فرص للنيل من صورة وكرامة أسرة التعليم من خلال تبخيس المسؤولين الحكوميين لعمل نساء ورجال التعليم واتهامهم بقلة الكفاءة وضعف التحصيل العلمي وانعدام الجدية وتعمد إضاعة الوقت/الزمن المدرسي. وكل هذه الحملات الإعلامية التي تسعى إلى تحميل أسرة التعليم مسؤولية فشل منظومة التعليم من أجل التغطية على التدابير والسياسات الحكومية الفاشلة، تلكم السياسات التي كانت وراء حرمان نساء ورجال التعليم من حقهم الدستوري والخلقي في متابعة الدراسة وتحسين رصيدهم المعرفي وتطور كفاءتهم من جهة، وتشجيع الفوضى والعنف داخل المدرسة العمومية من خلال إصدار مذكرات أكدت بالملموس على اتساع الهوة بين المسؤولين الحكوميين وواقع التعليم بالبلد.
أمام هذه المتغيرات يجد الموظفون العموميون عامة ونساء ورجال التعليم خاصة أنفسهم مدعوين إلى إعادة النظر في مواقفهم وأحكامهم المسبقة عن العمل النقابي. فمن السهل جدا الجلوس في المقاهي والأماكن العامة وتوجيه النقد للمكاتب النقابية واتهام المسؤولين النقابيين بالتقصير وتقديم التنازلات. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي، ما الذي أفعله لأغير الوضع الحالي؟ أين مساهمتي في هذا الفعل الذي يعنيني؟ ما الذي قمت به لأساهم مع زملائي في إنهاء واقع البيروقراطية والانتهازية داخل المكاتب النقابية؟.
يجب ألا ننسى المسؤولية الذاتية للموظفين في ما آلت إليه أوضاع النقابات حاليا. فالمكتب النقابي سواء كان وطنيا أو جهويا أو إقليميا أو محليا لا يمكنه فرض مقاربته وتحقيق مطالبه بدون قواعد ومنخرطين. فقوة النقابة من قوة منخرطيها وقواعدها. ولا ننسى اليوم أن المستفيد الأول من هذا التصدع والنفور من النقابة والانشقاقات المستمرة (التي تحركها الأيادي الخفية للحكومة العميقة من أجل استهداف النقابات الديموقراطية الشريفة) هو الحكومة التي لا تجد رادعا يوقف إجهازها المستمر على حقوق ومكتسبات الموظفين.
لقد علمتنا التجارب التاريخية أن الحق ينتزع ولا يعطى، ولا يمكن انتزاع الحق أبدا إلا بالنضال، لذلك نحن مدعوون إلى الانخراط في المعارك النضالية الجادة التي تقف في وجه السياسات الحكومية المعادية لمصالح وحقوق ومكتسبات الموظفين. وبانخراطنا المسؤول نخرب أعشاش الانتهازيين البيروقراطيين ونؤسس بسلطة القواعد لعمل نضالي قاعدي تصدر قراراته عن القواعد.
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش