“كذبة بنكيران” حول صناديق التقاعد
جلال محيمدات
من بين الملفات المطروحة في الحراك الاجتماعي الحالي ومن بين المطالب الأساسية التي تؤكد عليها المركزيات النقابية وتثير اهتمام وترقب وتخوف الطبقة العاملة والمواطنين عامة، ملف التقاعد ومقاربة الحكومة أو بالأحرى عدوانها على تقاعدنا وعلى مكتسباتنا. لذى نرى من الضروري تذكير الأخوات والإخوة ببعض المعطيات والحقائق المؤكدة والمرتبطة بملف التقاعد ومغالطات رئيس الحكومة ومحاولاتهم تحميل فاتورة الإصلاح للشغيلة :
بناء على تعليمات المؤسسات المالية الدولية، التي كان ينتقدها رئيس الحكومة حين كان في المعارضة، فإنه يريد منا كموظفين أن نؤدي كل فاتورة ما يسميه ب “إصلاح” نظام المعاشات المدنية (ن م م)، وذلك بأن نشتغل أكثر (رفع سن التقاعد إلى 65 سنة) وأن نساهم أكثر (اقتطاع 14% من الأجر الخام عوض 10% ) وأن نتقاضى معاشا أقل ( تخفيض النسبة السنوية من 2،5% إلى 2% و اعتماد معدل 8 سنوات الأخيرة لاحتساب المعاش عوض آخر أجر). وهو ما ترفضه الفدرالية الديموقراطية للشغل جملة وتفصيلا.
وفي هذا الصدد يقول أحد الفاعلين الاجتماعيين أن رئيس الحكومة قد بنى قراره على ادعاءين خاطئين : الأول هو مايسمى ب “الدين الضمني” للنظام La Dette implicite du Régime، والثاني هو “العجز التقني للنظام” Déficit Technique du Régime وأكذوبة تمويل العجز من الاحتياطيات Les Réserves مما قد يؤدي لنفاذها. وقد تم التأكيد بالحجة لرئيس الحكومة في عدة مناسبات أنه على خطأ.
أولا: مفهوم “الدين الضمني” يعني أنه إذا افترضنا أننا قررنا إغلاق نظام المعاشات المدنية، حينها يجب علينا من الضروري أن نقوم باحتساب ما راكمه هذا النظام من التزامات مترتبة عن الحقوق المكتسبة من طرف المنخرطين المساهمين منهم والمتقاعدين وذوي حقوقهم. وفي حالتنا يقدّر هذا “الدين الضمني للنظام” ب 700 مليار درهم. وفي المقابل يقدّر احتياطي النظام والمدخرات ب 81 مليار درهم إلى حدود نهاية سنة 2013. ويدعي المسؤولون بأن هذا الاحتياطي لا يمكّن من تمويل إلا جزء قليل من ذلك الدين الضمني ، وكأنه أضحى من الضروري أن يتوفر النظام على ادخار يوازي أو يقترب من قيمة الدين الضمني، وهذه مغالطة كبيرة. لأننا في نظام يرتكز على مبدأ التوزيع Répartition وهو نظام تضامني، أي أن مداخيل مساهمات الموظفين النشيطين En Activité هي التي تمول مصاريف معاشات المتقاعدين والباقي يوضع ضمن المدخرات. كما أنه يعتمد في طريقة اكتساب الحقوق على نظام التعويضات المحددة Prestations Définies الذي لا يشترط بالضرورة وجود توازن بين مستوى المساهمات المؤداة خلال فترة الانخراط وقيمة المعاش المحصل عليه بعد الإحالة على التقاعد، وهي طريقة تدعمها منظمة العمل الدولية OIT التي تدافع عن حقوق العمال. فمفهوم “الدين الضمني ليس ذي معنى وهو مجرد نشاط ذهني وترف فكري، لكنه قد يستعمل بشكل مبيّت من طرف البعض قصد التهويل وإيهام الرأي العام بخطورة الوضع وقرب انهيار النظام… وذلك من أجل إنزال قرارات خطيرة ومؤلمة في حق المنخرطين. وهذا بالضبط ما قام به رئيس الحكومة. فهو وطيلة السنة الماضية وفي قبة البرلمان، لم يكف عن قول من أين سيأتي ب 700 مليار درهم وهل تريدون خراب الاقتصاد الوطني وبأن الصندوق سينهار ولن نجد بما سنؤدي المعاشات…إلخ من الأقوال الخاطئة. لقد أكدنا له في عدة مناسبات بأنه عبر التاريخ لا يوجد في العالم أي نظام للمعاشات تم إغلاقه ولم يتم بتاتا أداء أي دين ضمني لأي نظام لأنه دين ضمني وليس دين واضح Dette Explicite تم اقتراضه من مؤسسات مانحة يجب تأديته بالضرورة في حينه. وتم التوضيح أنه لا توجد أي تجربة أو سابقة من هذا النوع، فهي مجرد طريقة للتنبيه بأن النظام قد راكم الكثير من حقوق المنخرطين وبالتالي وجب القيام بإجراءات تصحيحية.
ثانيا: مسألة العجز التقني: ويعني في نظام التوزيع، الوضعية التي لا تكفي فيها مداخيل مساهمات المنخرطين من تغطية مصاريف المعاشات. وحسب التجارب يمكن تمويل هذا العجز بطرق متعددة. وفي هذا الإطار اعتقد رئيس الحكومة جازما بناء على معلومات تهويلية ومغلوطة، بأننا سنشرع في الاقتطاع المباشر من الاحتياطيات المالية أي من ال81 مليار درهم أي من رأس المال وهو ما سيؤدي لنفاذها. هنا وخلال اجتماع اللجنة الوطنية يوم 2 دجنبر 2014 الذي ترأسه رئيس الحكومة، تم التوضيح له انطلاقا من وثائق رسمية أن العجز التقني كما تؤكده معطيات المجلس الإداري للCMR برسم سنة 2014 هو 0.7 مليار درهم وتمت إضافة عجز سنة 2015 المقدر ب 2.8 مليار درهم ، أي أن العجز بالنسبة للسنتين هو 3.5 مليار درهم. وفي المقابل فإن الاحتياطيات المالية أي 81 مليار درهم (الموزعة بين سندات الخزينة 80% والباقي أسهم وسندات خاصة… ) قد مكنّت من تحقيق منتوجات ومردودات مالية أي أرباح تقدر إلى حدود شهر 9/2014 بحوالي 4 ملايير درهم، وقد تتجاوز في نهاية سنة 2014 أكثر من 7 ملايير درهم . إذن يظهر جليا أنه بإمكاننا تمويل العجز التقني للنظام لمدة سنتين من أرباح سنة 2014 فقط ودون المساس برأس المال أي بالمدخرات (ال81 مليار درهم). وبالتالي لا يجوز الكلام بتاتا عن انهيار النظام والصندوق إلخ … فجاء جواب رئيس الحكومة مرتبكا وقال أنه إذا كان الكلام صحيحا فهذا أمر آخر، ثم استدرك بأنه لا يمكنه ترك هذا الملف للحكومة المقبلة. هذا هروب إلى الإمام واعتراف ضمني بصحة ما قيل له. من جهة أخرى، تم التأكيد له أن الزيادة في سن التقاعد يجب أن تكون اختيارية، ولا يمكن أن تتم بنفس الشكل بالنسبة لكل شرائح الموظفين، ويجب مراعاة نوعية المهن وصعوبة العمل، وعدم تجاوز مستوى تطور الأمل في الحياة (حوالي 3 أشهر سنويا في المغرب). وتم التأكيد على أن مسؤولية “أزمة النظام” ترجع إلى: – تم تأسيس نظام المعاشات المدنية سنة 1930 والدولة كمشغل لم تؤدي مساهماتها عشرات السنين – النظام كان يدبّر في إطار إحدى أقسام وزارة المالية – الصندوق CMR لم يتم تأسيسه إلا سنة 1996 – الدولة لم تؤدي متأخرات المساهمات إلا سنة 2004 – الدولة تفرض على المشغلين أداء 3/2 المساهمات والأجير 3/1 وهي لا تؤدي إلا 2/1 والموظف 2/1 – الدولة قلّصت بشكل كبير عدد التوظيفات – الدولة طبّقت سياسة المغادرة الطوعية…. هذه من أسباب الأزمة التي يريد رئيس الحكومة أن يحملنا عبأ أداء كل فاتورتها. كما أنه لا يمكن فصل ملف إصلاح أنظمة التقاعد الذي يجب أن يكون شموليا، عن الحوار الاجتماعي في كل أبعاده. فلنعبر جماعيا عن غضبنا ورفضنا لهذا القرار الخطير.
ملحوظة : لقد مرت أكثر من سنتين على هذا الكلام ولم ينهار نظام المعاشات المدنية كما كانوا يسوقون لذلك ومازال المتقاعدون يتوصلون بمعاشاتهم بشكل عادي. إذن خطابنا كان صحيحا وخطابهم كان كذبا وبهتانا لإقناع الرأي العام بضرورة الإجراءات المجحفة والخطيرة التي يريدون أن نؤدي ثمنها غاليا والدولة تتكلم من المسؤولية لأن “لاكارد” رئيسة صندوق النقد الدولي تريد ذلك. أما نحن فلنا الطوفان.
هذا الملف لوحده يتطلب أكثر من احتجاج واعتصام وإضراب بل وأكثر من ذلك. فلنتحمل مسؤولياتنا أو نصمت ونتركهم يعبثون بنا وبمستقبل أبناءنا.
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش