آخر المستجدات

أسرة الأمس.. وأسرة اليوم

محمد شابلي

chabliضاءت شاشة الهاتف الجوال، واهتزت أركانه فوق طوالة مقهى، أخذه صاحبي وفتح الخط وسأل ابنته عن آخر الأخبار “التي كانت غير مرضية” عن الحركة الاحتجاجية التي خاضها الأطباء.. وثارني تفاعل الأب مع ابنته في اتجاه دعوة ابنته لمواصلة الصمود والاحتجاج إلى أن ترضخ الحكومة لمطالب هاته الفئة..
استرجعت هذا الحدث مع طفو ملف الأساتذة المتدربين إلى السطح خلال الأسابيع الماضية، والتطورات التي عرفها والتي كانت آخر فصولها لحد الساعة تلك المشاهد الحمراء بدماء المتدربات والمتدربين من الأساتذة/الطلبة، والتعاطف الواسع الذي حصده بكيفية غير منتظرة.. والتجاوب الكبير والمتجلي في استحواذه على حديث المجالس في المقاهي والمكاتب ومختلف فضاءات العمل والحياة اليومية وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي، ومن بين ذلك مجلس كنت أحد أفراده.. تكلم فيه الحاضرون بلغة واحدة، ومتحوا من قاموس واحد بالرغم من اختلاف مشاربهم السياسية وتموقع أحزابهم في الأغلبية أوالمعارضة، تحدثوا بصفتهم أمهات وآباء عن الصور والفيديوهات المرعبة التي شاهدها القاصي والداني.. وافترضوا أن المعنفات والمعنفين بتلك الطريقة هن وهم بناتهن وأولادهم.. وعابوا على مسؤولي التعنيف الكيفية التي تم بها التعامل مع الاحتجاجات .. وكأن ما راكمه “علم” فض الاحتجاجات بطرق سلمية لم يبق في جعبته سوى الهراوات وعفس الرؤوس بالأحذبة الثقيلة وبالركل وبسحل الأجساد وبتوجيه أقدح السباب والنعوت والقذف في الشرف..
استحضرت كل ذلك ورجعت بي الذاكرة إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.. وتذكرت كيف كانت الأسرة والعائلة والأقارب والجيران، في أحسن الأحوال، يلوذون بالصمت، أويلقون باللائمة على أبنائهم المنخرطين في واجهات نضالية، ويعملون كل ما في وسعهم للضغط على فلذات أكبادهم بالابتعاد عن الطريق النضالي لأنه لا يفضي إلا إلى السجن والتعذيب وضياع المستقبل، وأن المخزن لا يمكن مواجهته أو الوقوف في طريق قراراته.. وعانى ذلك الجيل من ازدواجية الضغوط: ضغوط الوعي بالواقع الذي يدفعهم للنضال والاحتجاج، وضغوط البيئة البشرية التي يحيون فيها والتي لا تقدر على تجاوز حاجز الخوف وإبداء التقدير لما يناضل من أجله..
لقد تغيرت أشياء كثيرة بالمغرب بين الأمس واليوم، لكن هذا التغيير لا يصمد أحيانا أمام بعض الامتحانات التي تفرض معالجتها من صميم ما تنص عليه الوثائق الرسمية والشعارات المرفوعة والمكاسب المحصلة، لإعطاء الدليل والتأكيد على أنها تغييرات حقيقية وجوهرية ودائمة ولا رجعة فيها.. ولعل ما حدث للأطباء من قبل وللأساتذة المتدربين اليوم يدعو إلى رد الاعتبار للقانون الأسمى للمغرب “الدستور” الذي يعتبر الأمن، والحرية، والكرامة، الانسانية، والحوار، والحق في السلامة الجسدية والمعنوية، والمعاملة الانسانية، وحماية الحياة الخاصة قيما ثابتة للمملكة المغربية .
إن التغير بل والتحول الجذري الذي طرأ على مواقف الأسر من نضالات أبنائها وبناتها في مختلف المحطات لحد الساعة، يجب استحضاره باستمرار أثناء معالجة أي مسألة مطروحة، لأن درجة الخوف من الدولة ودواليبها في تراجع كبير، وهذا إيجابي للدولة نفسها قبل غيرها، ودرجة كتم الغيظ والقلق والدعاء في السر لم يعد كل ذلك عملة متداولة بين المغاربة، وأن اتخاذ قرار ما في حق عشرة آلاف مواطنة ومواطن بالضرورة هو اتخاذ قرار في حق كل المحيطات التي يتحركون فيها والتي يصعب عد عدد أفرادها أو حصرهم في عشرات الآلاف أو مئات الآلاف… وفي ذلك تجنيب للبلاد للخروج عن سكة التنمية والتطور التي تسير عليها البلاد…
الاثنين 11 يناير 2016

منقولة عن صفحة الأستاذ شابلي من الفيسبوك

أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: