لنتحد ضد القمع
عاصم منادي إدريسي
(على هامش دعوة التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين إلى التنديد بالعنف الممارس ضد نضالاتهم السلمية).
منذ سنوات أطلق النظام السياسي المغربي ما سمي مرحلة الإنصاف والمصالحة، وهي مرحلة بدت كما لو أنها يقظة الضمير الخلقي لدى المخزن، الذي اقتنع أخيرا بضرورة القطع مع الممارسات المسيئة لحقوق الإنسان والماسة بكرامته. ويومها تخيلنا أن السلطة حسمت في خيارها واتجهت نحو إقرار حقيقي لحقوق الإنسان، هو الأمر الذي ستحققه المصالحة مع ضحايا سنوات الجمر والرصاص والمحاكمات الصورية والملاحقات القضائية والتضييقات القمعية.
لكن ما كشفه تعاطي الحكومة الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية برئاسة السيد بنكيران، مع الحركات الاحتجاجية السلمية منذ بداية ولايته، خاصة احتجاجات الأساتذة لمتدربين، بين بالدليل الواضح التناقض بين الشعارات التي يتم الترويج لها فيما خص الحقوق والحريات العامة من جهة، والممارسات اليومية من جهة أخرى.
فالتدخلات القمعية ضد الأشكال النضالية التي دعت إليها التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين بلغت من البشاعة حد خلق إعاقات وتشوهات لدى بعضهم (ن)، ناهيك عن التعنيف اليومي الذي يتعرضون له من قمع وحصار وتضييق ومنع ومطاردات هذا ولم نتحدث عن أشكال العنف الرمزي الذي يلاقونه يوميا. أما الحق في التعبير والنقد بصفته عصب الحريات العامة، فإن المتابعات التي يتعرض لها المنتقدون أصبحت في عهد الحكومة الحالية سلوكا عاديا، وخير دليل على ذلك ما تعرض له المواطن الشاب الذي فضح هشاشة طريق معبدة أنشئت حديثا بميزانية ضخمة بضواحي مدينة آسفي، دون أن ننسى محنة لقاضي الهيني الذي تصرف بما يليق بمواطن شريف حريص على استقلالية القضاء ونزاهته، لكنه تلقى قرارا بالعزل من المهنة.
إن التضييق على الحريات العامة في عهد الحكومة الحالية، بلغ حدا من التراجع بات المواطن معه متخوفا من إبداء رأيه في قضايا الشأن العمومي، وإلا فعليه أن يتوقع تعرضه لأشكال من التضييق أبسطها أن يحاول أنصار الحزب الحاكم تخريب صفحته الشخصية لإسكات صوته المعارض.
إن انتقادنا للسياسات الحكومية ومقاربتها القمعية ودعوتنا العقل الأمني إلى احترام حقوق الإنسان وكرامته لا يعني معاداتنا للوطن بل هو دليل على محبتنا الصادقة له ورغبتنا الدفينة في أن يكون أفضل، بل واقتناعنا بأنه سيكون أفضل كلما كان المجال مفتوحا أمام الحريات العامة.
سنكون في قمة الارتياح عندما سنصادف رجال الأمن يطاردون العصابات المسلحة والمجرمين وقطاع الطرق حرصا على سلامة المواطنين وأمنهم، بل ونكن لهم عظيم الاحترام الصادق وننحني احتراما لتضحياتهم وبطولاتهم. ولكننا نشعر بالاحتقار عندما نجد رجال الأمن يحاصرون الأساتذة المتدربين ويلحقون الأذى بهم (ن)، وهم يدافعون عن المدرسة العمومية بشكل في منتهى التحضر والسلمية.
ومن موقعنا، سنناضل ونكافح بالكلمة والنضال السلمي والاحتجاج الحضاري، حتى لا يرى أبناؤنا وبناتنا مشاهد مؤلمة كتلك التي نراها يوميا في الشوارع والساحات العامة.
إنه لمنظر مسيء للحس السليم ما نراه من تعنيف للإنسان وتنكيل به، تنكيل يصل حد تعرض أنثى أستاذة للضرب على رأسها بقسوة وغلظة، أو حد تكسير أضلاع أستاذ وتهشيم رأسه وأسنانه، أو محاصرته ومنعه من الدخول والخروج كمجرم حرب يهدد نظام العالم … يتعلق الأمر بإنسان يتولى مسؤولية تربية الأجيال، ومن العار أن تتم معاملة الأستاذ بهذه الطريقة القمعية الخالية من التحضر والإنسانية.
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش