هكذا هاجمني الرفيق الراديكالي(قصة حقيقية)
منادي الإدريسي
اعتدت منذ مدة أن أتلقى رسائل السب والشتم والتجريح من ببغاوات الحزب الحاكم وأنصاره وشبيبته. ودائما ما أتقبلها بابتسامة عريضة مقتنعا بأن من يسبني أو يهددني أو يبلغ عن صفحتي ليس إلا شخصا ضعيفا يعجز عن مناقشتي بالحجة والدليل والوقائع. لكنني فوجئت هذه المرة لأن مراسلي لم يكن من الشبيحة البيجيدية. بل يقدم نفسه كيساري راديكالي يتبنى خيار العنف الثوري، وإن كانت صفحته ملأى فقط بخدمات الفايسبوك حول توقع المستقبل.
رسالة هذا النكرة تضمنت اتهاما مباشرا لي بالدعوة إلى النضال السلمي وتدجين المحتجين (حسب لغته الركيكة) من جهة. وخدمة ما سماها تنسيقية بلال التي تناضل لمطالب فئوية ضيقة محدودة المدى. وبما أنني رأيت مثل هذا الموقف يتردد على ألسنة الكثيرين، فلا ضير أن نوضح لهؤلاء أيضا بعض الأبجديات.
بالنسبة للسلمية عرف المغرب عشرات الحركات الاحتجاجية التي تبنت خيار العنف ضد الدولة. لكن تجارب التاريخ بينت محدودية هذا الخطاب وضعفه وابتعاده التام عن الواقع. بل وبقاءه حبيس الطوباوية التي تداعب خيال الحالمين فقط دون أن يكون فعلا إجرائيا يحقق ولو نتائج بسيطة للغاية، ناهيك عن إسقاط النظام…
لماذا استمرت احتجاجات الأساتذة المتدربين وتقوت واشتدت تدريجيا وحظيت بتعاطف الشعب؟
الجواب بسيط، لأنها كانت معركة سلمية تجنبت ردود الأفعال الانفعالية التي تقدم للحكومة خدمة جليلة بممارستها للعنف. فنحن أمام حكومة تمارس العنف حتى دون مبرر، ولم تتورع عن ارتكاب المجازر في حق الأساتذة المتدربين وهم مسالمون، نحن أمام حكومة أعيتها نضالات هذه الفئة وحيرتها بنفسها الطويل وسلميتها. ولذلك لم يسجل وزير الداخلية ومخبروه ومصوروه وأعوان سلطته ولو سلوكا واحدا يدل على شكل واحد من العنف كان مصدره الأساتذة المتدربون. ولو تصرف الأساتذة المتدربون بالعنف المضاد وسياسة المواجهات لكان أغلبهم معتقلا والباقي في المستشفيات، والباقي في التكوين. هل يستطيع أحد أن يفهم السر في عدم وجود معتقلين من آلاف الأساتذة المتدربين الذين يحتجون يوميا وبأشكال متنوعة؟ لا يوجد معتقلون، لأن الحكومة أعجز من أن تجد سببا واحدا لتبرر به اعتقال مناضلة أو مناضل من هذه الفئة. بينما تعتقل العشرات في أي مواجهة مع الطلبة وتجد مبررات كافية لتلفق لهم التهم والمبررات.
شخصيا، لست داعية عنف ولا داعية حجر ولا حرب ولا عدوان، لست داعية مواجهات، ولست أنظر لرجال الأمن كأعداء أو خصوم، ودائما ما أعتبر أن وظيفة الأمني مسؤولية مقدسة لأن صاحبها يغامر بحياته دفاعا عن أمن الوطن والمواطنين وسلامتهم. لكنني أنتقد استعمال الأمن العمومي لقمع المواطنين. ولا أتردد في مهاجمة الأمني الذي يرفع يده وعصاه على مناضلين سلميين لقمعهم وترهيبهم، وأعتبر سلوكه القمعي هذا توحشا وهمجية، غير أنني لست مستعدا لرميه بحجر أو طعنه بخنجر أو مواجهته بالعنف (ربما فعلت هذا في لحظات حماسة وانفعال …) أفضل أن أكافح بمعية الملايين من أبناء وطني لتختفي هذه الممارسات القمعية المتوحشة، ولنحس بالأمان كلما اقتربنا من المؤسسة الأمنية ورجالها، لا من الخوف الذي يسيطر علينا الآن.
ربما يبدو موقفي “تحريفيا” للبعض، أو خاطئا للبعض الآخر. لكنني لست ألزم به أحدا ولا أعتبره صحيحا بالضرورة، كما لا أعتبر نفسي ملزما بمواقف الغير وآرائه التي أحترمها أيضا. لكنني أسأل دعاة هذا الموقف كما يلي: ماذا قدمتم للوطن وماذا حققتم من مكتسبات باختياركم للعنف؟ الواقع يؤكد أنكم لم تحققوا إلا الخيبات للأسف !!!!!
فيما يتعلق بقصة “تنسيقية بلال” صدقا، لست أعرف من هو هذا “البلال” الذي ينسب له هذا الشخص تنسيقية كاملة تضم الآلاف من المناضلين (ات) لكني أعرف تنسيقية الأساتذة المتدربين التي تقود نضالا بطوليا لم تستطع السير على منواله كل الفئات من قبل. وسيكون عبئا كبيرا على النضالات الفئوية مستقبلا أن تحقق مثله. ولذلك أريد التأكيد على أنني تشرفت بمتابعة هذه النضالات والدفاع عنها وحضور بعض محطاتها وطنيا ومحليا، ولا يفوتني أن أشير إلى أن ما أقوم به أعبر فيه عن مواقفي وآرائي وأعتبره واجبا خلقيا وإنسانيا على كل إنسان القيام به، ولست أنتظر من وراء فعله جزاء ولا شكورا ولا اعترافا ولا إعجابا ولا أي شيء آخر.
قصة النضالات الفئوية لتنسيقية الأساتذة المتدربين تبدو غريبة إلى حد ما. فوحده مجنون من يطالب هذه الفئة بمطالب تتجاوز سقفها وإمكانياتها وحدودها.
شخصيا، تستفزني كثيرا مواقف بعض الراديكاليين الذين يطالبون كل حركة نضالية بأن ترفع شعار “إسقاط النظام والثورة” … وإلا يتم تخوينها ومهاجمتها واتهام مكوناتها بتهم مختلفة. وهو المبدأ الذي يجعلهم يهاجمون نضالات الأساتذة المتدربين اليوم. إن نضال هذه الفئة ضد مرسومي رئيس الحكومة وتضحيات مكوناتها وتحملها في صمت للتنكيل اليومي والتعنيف النفسي منذ شهور، يمثل في حد ذاته درسا ينبغي أن تتعلم منه كل الفئات.
وحتى نكون صرحاء أكثر، ما الذي قدمه دعاة هذا الرأي (العنف) لنضالات الأساتذة المتدربين من دعم؟ ما الذي أضافوه لهم؟ أعتقد أن مجنونا فقط من سيطلب من الأساتذة المتدربين أن يناضلوا دفاعا عن المدرسة العمومية أو يطالبهم برفع شعار تغيير النظام، فليست مسؤوليتهم أبدا حماية المدرسة العمومية، بل إنها مسؤولية الشعب والنقابات التعليمية، أما إسقاط النظام فقصة أخرى !!!!!!!
الحقيقة المرة أن الأساتذة المتدربون (ات) يكافحون وحدهم في الساحات والميادين، ويحترقون بنار الآلة القمعية التي سلطتها عليهم الحكومة الحالية، ويقدمون يوميا عشرات التضحيات من دمائهم (ن) ونفسيتهم (ن) ووضعيتهم(ن) المسحوقة لذلك يسهل على هؤلاء “الثوريين” أن يجلسوا خلف حواسيبهم وينظروا (من التنظير) للفعل النضالي وما يجب أن يكون عليه. ولكنني أدعوهم إلى تجريب هذه المعاناة التي يعيشها الأساتذة المتدربون (ات) ليوم واحد، ثم نحكم بعد ذلك أيهما أكثر فعالية ونجاعة، نضال “تنسيقية هذا البلال” أم أحلام ثوري يشعل مواجهة غير متكافئة نتائجها محسومة سلفا لصالح الطرف الآخر، وينتج عنها من التخريب والاعتقالات والمعاناة الأسرية أضعاف ما كان عليه الأمر من قبل.
قد لا يكون موقفي هذا صحيحا، ولست أزعم ذلك مطلقا، ولست أنتظر أن يتفق معي الآخرون الذين أحترم موقفهم ورأيهم الخاص مهما كانت طبيعته لكنني أرفض أن يتم تبخيس نضال بطولي مليئ بتضحيات الآلاف من نسائه ورجاله، نضال حقق شروطه الإنسانية والأخلاقية التي تجعل كل من يحمل في داخله بذرة الانعتاق والتحرر فخورا بها. وأنا ممتلئ فخرا بنضالات هؤلاء الأبطال، ويشرفني أن أكون متتبعا لها وحاضرا للكثير من محطاتها.
عاشت التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين.
عاشت نضالاتهم البطولية والسلمية.
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش