آخر المستجدات

التلميذ قنبلة تتعبأ بالبيت والشارع وتنفجر بالمدرسة

مصطفى أيت علال

20171106_232317.jpgخلف حدث اعتداء تلميذ على أستاذه بالقسم، بإحدى الثانويات التأهيلية بورزازات، ردود فعل غاضبة صدرت عن مختلف الشرائح الاجتماعية، وطالبت بعضها بإنزال أقصى العقوبات في حقه وعدم السماح له بالعودة إلى أية مؤسسة تعليمية.
تداول الخبر والتعليقات التي أعقبته كانت كثيفة في الصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، غطت على حدث آخر أشد عنفا وخطورة، كان سيخلف الكثير من الضحايا لو نجح منفذوه في إشعال النار بواسطة قنينات الغاز، بإحدى المطاعم السياحية بمدينة العرائش.
ورغم أن الحدثين يلتقيان في موضوع واحد هو الاعتداء، فإن الأول يمس قطاع التربية والتعليم، والحدث الثاني يمس الأمن العام، وإعطاء كل الاهتمام للحدث الأول قد يفسر بأولويات المتدخلين ،الذين يجعلون التربية والتعليم أكبر من الأمن. وهو كذلك ما دام نجاح المدرسة أو فشلها محدد أساسي لوضعية الأمن، وقد يفسر بالإدراك الجماعي للصورة المبهدلة التي أصبح عليها المعلم الذي يتعرض للجلد المخزني في الشارع، وللتشهير في البلاغات الرسمية، وللإساءة من طرف فئة عريضة من المجتمع .وقد يفسر بالمكانة التي يحتلها في نفوسهم أو برغبة بعضهم في استغلال المناسبة للاعتراف بفضله عليهم.
كيفما كانت الدوافع فالإجماع حاصل على رفض اعتداء التلميذ على معلمه. وأن المس بالمعلم هو مس بنبل مهنة التربية والتعليم ودورها في إعداد الأجيال التي ستتحمل مسؤولية بناء المستقبل، لكن بقدر ما يبدو هذا الإجماع منطقيا وسليما ومطلوبا بقدر ما تبدو الأصوات المطالبة بطرد التلميذ نهائيا وسجنه قاسية من الناحية التربوية في حق قاصر قد يتخرج غدا بدرجة ممتاز جدا في عالم الإجرام .
قد لا تعجب البعض صفة القساوة التي أعطيتها للعقوبات، لكن أليس من القساوة الشحن الأسري للطفل بالعداوة؟ فلا معنى عنده للجيرة ولا الصداقة ولا الزمالة ولا القدوة ،حتى بات استعداده الوحيد هو للصراع والغلبة اتجاه الآخر، والمعلم هو واحد من أهدافه.
ألم يغير المجتمع الكثير من قيمه حتى انساق التلميذ وراء قدوات جديدة تحمل السيوف وتمارس الرعب وتتداول الألفاظ النابية؟ أليس من القساوة أن ينتقل التلميذ إلى مستوى تعليمي أكثر من مستواه لا يستطيع فيه القدرة على التواصل مع أستاذه وزملائه؟ فيعيش زمنه المدرسي عبثا بلا فهم ولا تحصيل فتنهار قدراته وإرادته ويتفرغ إلى إهمال واجباته وممارسة الشغب؟؟؟ أليس من القساوة أن يوضع التلميذ في قسم مكتظ بزملائه تقل فيه فرص المشاركة والمبادرة والمساواة، فيتراجع إلى الخلف حتى وإن كانت قدراته ومهارته مميزة؟؟؟ أليس من القساوة أن يتعرض التلميذ للعنف المادي واللفظي للمعلم دون تقدير لنفسيته كمراهق؟ أليس من القساوة أن يعيش التلميذ في مناخ تغيب فيه فرص تفريغ العنف في الأنشطة الموازية وخاصة الترفيهية؟ أليس من القساوة غياب مراكز الإنصات وصعوبات حل المشكلات النفسية والاجتماعية بمؤسساتنا التعليمية؟ أليس من القساوة أن يوجد التلميذ في مجتمع يزرع اليأس من المستقبل ويحتقر المدرسة وبسياسات عمومية غير قادرة على حلحلة الأوضاع العامة؟
التلميذ هو ضحية وحصيلة لممارسات تربوية خاطئة تلقاها في الأسرة وفي الشارع وفي المدرسة، أو لنقل في حالة العنف الشبيهة لما وقع بورززات: التلميذ قنبلة تتعبأ بالبيت والشارع وتنفجر بالمدرسة.
وقد لا تنفجر إلا بعد الطرد من المدرسة لكن ليس على وجه الأستاذ ولكن على المجتمع بأكمله كما كان سيحدث يوم الأحد بالعرائش.

 

أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: