آخر المستجدات

نشر وزارة التربية الوطنية لأسماء الأساتذة الغائبين قرار شارد

*الأستاذ محمد الدرويش

20171019_182616.pngأثار البلاغ الصحفي الذي صدر عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي خلال نهاية الأسبوع الماضي في موضوع غياب بعض أساتذة التربية الوطنية ردود فعل هيئة التدريس والشركاء الاجتماعيين كلها رفضت هاته الخرجة الإعلامية غير محسوبة العواقب والنتائج. علما أن الغياب ظاهرة ليست بالجديدة لكنها مؤطرة بقوانين ومراسيم وقرارات ومذكرات ودوريات ومساطر… فلنطبق القانون ولنبتعد عن كل مظاهر التشهير.
ومما يدعو للاستغراب أن البلاغ المذكور ينطلق من مبدأ الانسجام مع توجهات تعزيز الثقة في المدرسة المغربية مستندا في ذلك إلى معطيات منظومة مسار وهو أمر يناقض بدايته نهايته.
وبعيدا عن لغة الخشب والدفاع عن غياب الأطر التربوية بالأسلاك الثلاثة أو تبريره فإننا نسجل الملاحظات التالية:

  1. إن عدد الأساتذة الذين تغيبوا خلال شهر شتنبر 2017 بلغ 611 أستاذا من أصل 237000 أستاذ وهو ما يمثل نسبة 0.2 في المائة وهي نسبة قليلة بكثير مقارنة بغيابات سنوات سابقة وفي قطاعات أخرى.
  2. أنه من أصل 611 أستاذا غائبا، 430 منهم قدموا شواهد طبية لإدارات مؤسساتهم مما يعني أن عدد الغيابات غير المبررة هو لمجموع 181 أستاذا فقط من أصل 237000 إطار تربوي وهو ما يمثل نسبة 0.07 في المائة.
  3. أن عمليات زجر الغياب والحث على الحضور والتحفيز على العمل والمردودية والقيام بالواجب المهني لها ضوابطها القانونية والإدارية والأخلاقية، إذ ليس من حق أي موظف ومهما كانت مسؤوليته الإدارية أن يلجأ إلى التشهير في حق موظف آخر. وما قامت به الوزارة وهي تنشر لوائح الأساتذة الذين تغيبوا خلال شهر شتنبر 2017 يعد تشهيرا وإفشاءا للسر المهني.
  4. أن البلاغ الصحفي المرفق باللائحة الإسمية للأساتذة الغائبين يناقض مقتضيات أحكام الفصل 18 من ظهير 1958 والخاص بالنظام الأساس العام للوظيفة العمومية وخصوصا مقتضيات نص: “بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي فيما يخص السر المهني فإن كل موظف يكون ملزما بكتم سر المهنة في كل ما يخص الأعمال والأخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه أو بمناسبة مزاولتها”.
  5. صحيح أنه تظل سلطة الوزير محررة للموظف من لزوم كتم سر المهنة ومنها الإشعار بأسماء الأساتذة الغائبين لكن هاته السلطة لا يجب ان تستعمل في غير محلها. فالبلاغ الصحفي للوزارة يؤكد على أنه من أصل 611 أستاذا غائبا 430 منهم غابوا بعذر وقدموا شواهد طبية تؤكد ضرورات الغياب الصحية لمدد تتراوح بين 4 أيام و95 يوما. ونعلم جميعا أن عمليات تسليم الشواهد الطبية تخضع لإجراءات ومساطر صارمة إذ لم تعد كما كانت من قبل وللإدارة الحق في إخضاع الموظف للفحص الطبي المضاد من قبل اللجن الطبية الإقليمية. ثم أن هاته الشواهد الطبية تدخل ضمن مقتضيات القوانين المعمول بها ومنها النظام الأساس للوظيفة العمومية خصوصا الفصول 38 إلى 41 مثلا. وقد سلمت من قبل المتغيبين إلى إدارات مؤسساتهم والتي تنقلها بدورها إلى المديريات الإقليمية ثم إلى الأكاديميات بعد مرور 90 يوما فيتم بعثها إلى الموارد البشرية مركزيا – هي إذن رخص لأسباب صحية تستوجب حقوقا مضمونة للموظف دون أن يدخل في خانة المتغيب بصفة غير مشروعة إن لم تشبها شوائب وإن احترمت كل الضوابط والإجراءات النظامية.
  6. ما وجه الشبه بين نشر لوائح الأساتذة الغائبين برخصة أو بدونها وبين تعليق نتائج نجاح التلاميذ بذكر ونشر الراسب منهم فقط. ألم تعاقب الوزارة مدير المؤسسة المعنية في حينه. وهل فكرت الوزارة في الحالة النفسية لمجموعة من الأساتذة الغائبين بعذر وترخيص طبي. إذ من المؤكد أن من بينهم من هم طريحو الفراش ومنهم من يعاني في صمت.
  7. أدعو الوزارة للتفكير بجدية غير مسبوقة في أوضاع أسرة التربية والتكوين بكل أسلاكها خصوصا أنهم يرافقون ويصاحبون الأطفال والشباب من الرياض إلى التعليم العالي ويشهدون على نجاحاتهم وإخفاقاتهم. وتجدر الإشارة والتذكير هنا بأن أفراد أسرة التربية والتكوين معرضون أكثر من غيرهم إلى الإصابة بأمراض قد لا يصاب بها غيرهم من مثل الأمراض النفسية والعصبية والجلدية والشرايين والزهايمر والخرف وأمراض الصدر والحنجرة وأمراض السرطان وأمراض البصر والحساسية وغيرها مما أكدته دراسات حديثة.

لكل ما سبق فإننا نعتقد أن هذا البلاغ مرفقا باللوائح الاسمية في غير محله. بل إنه في حالة شرود. إذ له انعكاسات سلبية عكس ما كان ينتظر منه. فعوض تسجيل إيجابية النقص المسجل في الغياب مقارنة مع سنوات مضت وتهنئة السيدات والسادة الأساتذة والإداريين والمستخدمين على تعبئتهم الجماعية ومجهوداتهم التي جعلت من هذا الدخول المدرسي متميزا عن سابقيه تاريخا ومضمونا في مجموعة من المواقع بفعل جدية ومثابرة أسرة التربية والتكوين. وبدل تثبيت ثقافة الاعتراف والتنويه بالمجهودات والمبادرات التي يتخذها مجموعة كبيرة من السيدات والسادة الأساتذة والإداريين ثقافيا ورياضيا وترفيها سواء داخل الأندية أو خلال الألعاب المدرسية وتأطير الخرجات والرحلات ودروس الدعم وتزيين المؤسسات وتنشيطها تطوعا ودون مقابل وهم يقومون بواجباتهم الوطنية أولا والوظيفية ثانيا، اختارت الوزارة التشهير ببعض قليل من الأساتذة الغائبين بعذر وبغير عذر وفي ذلك إساءة لأسرة التربية والتكوين برمتها …
فمثل هاته الأمور وكل المبادرات والقرارات غير محسوبة العواقب وغير المدروسة قد تسبب في ردود أفعال تعود سلبا على المنظومة.
وقبل الختم أهمس في أذن السيد الوزير جهارا فأقول له:

  • أولا تأكد أن لائحة الغياب غير مكتملة وغير مضبوطة بصفة نهائية وقد تكون خضعت لمنطق المحسوبية والريع أو الحسابات الضيقة في وضع أو عدم وضع هذا الاسم أو ذاك.
  • ثانيا لماذا عدم احتساب من يوم إلى ثلاثة غيابا وأين تم تصنيف رخص الولادة ورخص فريضة الحج…
  • ثالثا حتى ولو كان أمر البلاغ ونشر اللائحة في إطار حق الحصول على المعلومة وهو من الحقوق التي يضمنها دستور المملكة في الفصل 27 منه تكريسا لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا وتعزيزا للشفافية وترسيخا لثقافة الحكامة الجيدة فإنه لا يستقيم بنشر أسماء الغائبين بعذر وبغير عذر وبذلك تختلط الأمور .
  • رابعا استحضارا للتوجيهات الملكية وتنفيذا للبرنامج الحكومي في قضايا التربية والتكوين لكم أن تسهروا على تطبيق القانون تعميقا للديمقراطية من حيث الممارسة والقيم وتجسيدا للتوجهات الكبرى للمملكة وتفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في كل المستويات المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية وكذا في كل المسؤوليات وذلك بفتح كل الملفات وأنتم أعلم بأغلبها وإن غابت عنكم بعضها فإنكم في موقع تأتيه المعلومة دون طلب. وقد اتخذتم قرارات صفقت لكم من أجلها أسرة التربية والتكوين. فلا تخطئوا الطريق ولا تخلطوا الأوراق.

عود إلى بدء لأقول إن الدينامية المسجلة في القطاع يجب أن تصاحبها إجراءات نواتها الاهتمام بالموارد البشرية والاعتناء بأحوالها ووضع حد للملفات المطلبية المرتبطة بتسوية الوضعيات الإدارية والنظامية وكذا بتحسين ظروف الاشتغال والحد من ثقافة المحسوبية والزبونية والريع لدى بعض المسؤولين وإذكاء ثقافة الاعتراف والإشادة بكل المبادرات المثمرة والفعالة والمنتجة والمساهمة في تكوين المواطن الصالح لنفسه ووسطه ووطنه. مواطن متشبع بروح المبادرة والتعايش وقبول الآخر وثقافة الاختلاف والروح الجماعية في وطن يتسع لكل المغاربة .
فنجاح منظومة التربية والتكوين رهين بنجاح الأسرة بكل مكوناتها فلا يجب أن نخطئ الهدف والمسار. فأسرة التربية والتكوين مفتاح من مفاتيح تطور ونهضة وتقدم وطننا فلنحافظ على كل مفاتيح ذلك

*مختص في قضايا التربية و التكوين .
الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي قبلا.
رئيس جمعية الخدمات الاجتماعية للتعليم العالي .

أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: