سؤال إصلاح المنظومة التربوية بين الرهانات والعوائق
سعيد مفتاحي
في إطار التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر للنقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، وفي سياق الجهود المبدولة من طرف المكاتب الجهوية والإقليمية والفروع لإنجاح هذه المحطة التنظيمية الهامة في تاريخ منظمتنا العتيدة، وتنفيذا لقرارات المجلس الوطني الموسع المنعقد يوم الأحد 17 شتنبر والقاضية بتنظيم ورشات لمناقشة مشاريع مقررات المؤتمر الوطني في الفترة ما بين 19 شتنبر و16 أكتوبر 2017 وانتخاب المؤتمرين والمؤتمرات في الفترة ما بين 6 أكتوبر و15 منه، نظم المجلس الإقليمي الموسع للحي الحسني بجهة الدار البيضاء – سطات، عرضا إشعاعيا تحت عنوان “سؤال إصلاح المنظومة التربوية بين الرهانات والعوائق” وذلك يوم الأحد 8 أكتوبر 2017 على الساعة العاشرة (10h) صباحا بمقر النقابة بحي البركة الحي الحسني .
أطره الأخ محمد زعتري عضو المجلس الوطني ومنسق دائرة الدراسات والبحث التربوي لمنظمتنا. وسيره الكاتب الجهوي الأخ سعيد مفتاحي، و الكاتب الإقليمي الأخ عبد إلاله خصرا.
استهل الأستاذ زعتري عرضه بطرح سؤال محوري: لماذا فشلت محاولات إصلاح المنظومة التربوية ببلادنا منذ الاستقلال ؟!
- هل يكمن هذا الفشل في غياب سياسة تربوية واضحة الأسس والأهداف؟ أم أن الأمر يكمن في قصور الإرادة السياسية وعقم التصورات والإجراءات وما رافقها من تطبيقات؟
- أم هل يكمن المشكل في ضعف الإمكانات المادية والمالية؟ أوفي عدم إشراك الفاعلين في الحقل التربوي في عمليات الإصلاح؟ هل إصلاح المنظومة التربوية في المغرب أصبح أمرا مستحيلا؟؟.
كانت تكلم بعض التساؤلات التي أطر بها الأخ زعتري بحثه عن أسباب فشل كل محاولات إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب منذ مرحلة إرساء قواعد المدرسة العمومية (التعميم، التوحيد، التعريب، المغربة) (1956 إلى 1963). ومرحلة بداية التراجعات ( 1964 – 1952) ثم مرحلة التوفيق بين الإصلاح والتراجع (1973-1983) وتلتها مرحلة التقشف والتقويم الهيكلي (1983-1994) مرورا بمرحلة البحث عن بدائل من أجل الاستمرار. (1994- 1998) وصولا إلى مرحلة تفعيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999- 2013) وأخيرا مرحلة تسريع وثيرة التراجعات الممتدة من 2013 إلى الآن!!!
إن القراءة الأولية للجرد التاريخي – يضيف الأخ زعتري – لأزمة إصلاح المنظومة التربوية منذ مرحلة تأسيسه سنة 1956 إلى الآن يسمح لنا كنقابة فاعلة في الحقل التربوي التعليمي منذ تأسيسها سنة 1966، بطرح بعض الخلاصات الأولية في سياق البحث عن الأجوبة والآفاق:
- لقد تميزت “الإصلاحات” السابقة عن مرحلة الميثاق الوطني لإصلاح التعليم سنة 1999 بكونها تعبر بوضوح عن إرادة سياسية للتراجع عن عدد من المبادئ والأهداف التي تم تحديدها للمنظومة التربوية في السنوات الأولى للاستقلال وعلى رأسها التعميم والمجانية.
- باستثناء مرحلة البرنامج الاستعجالي، لم تتوفر باقي محاولات الإصلاح على الدعم المادي والمالي الضروري لإنجازها.
- كل الحكومات المتعاقبة منذ الستينات إلى 1997 كانت تنظر إلى التعليم باعتباره قطاعا مستهلكا غير منتج.
- كل الإصلاحات السابقة عن سنة 1999 كانت تتم دون إشراك فعلي للمتدخلين في العمل التربوي، أو الفاعلين السياسيين والاجتماعيين.
- طغيان النفس القصير على كل الإصلاحات، وانعدام الاستمرارية في تنفيذها، فكل وزير يحاول أن يسجل لنفسه أكبر عدد من القرارات أثناء فترة ولايته، ليست في صالح المنظومة التربوية ولا في صالح نساء ورجال التعليم بل يكتفي ببعض القرارات التي تترك الإصلاح خارج المدرسة والقسم.
- يؤدي هذا النوع من التعامل مع مشاكل المنظومة إلى طغيان النزعة الانتقائية في التعامل مع مشاريع الإصلاح وتأجيل الأساسي منها.
- كل الإصلاحات السابقة كانت تهمش أهم عنصر في أي إصلاح وهو العنصر البشري. فباستثناء المحاولات التي تمت بين 2004 و2007 والمتمثلة في تنظيم دورات التكوين المستمر، التي أجهضت بفعل عدم وضوح التصور وضعف حكامة الأكاديميات والمديريات الإقليمية مما حولها إلى كعكة تتقاسمها عدة جهات تعليمية، ولم تعتن كل محاولات الإصلاح السابقة واللاحقة بالمدرس باعتباره حجر الزاوية في كل إصلاح.
- هيمنة الارتباك والتسرع، والحلول الترقيعية، وضعف الحكامة في التدبير المادي والمالي والإداري، وهي عوامل مرتبطة بإقبار المواصفات وبالمنهجية التي تم وضعها سنة 2004 لانتقاء واختيار المسؤولين الجهويين والإقليميين في الوزارة، وتكريس سيادة تعيين وتنصيب العناصر الموالية والخانعة، وإبعاد الأطر التربوية الكفأة التي يمكنها المشاركة بكفاءة في قيادة الإصلاح .
- كل محاولات الإصلاح السابقة كان هاجسها الثابت هو تقليص تكلفة الدولة في هذا القطاع، وفتحه للقطاع الخاص. (الساعات التضامنية – تحديد كوطا للنجاح – المغادرة الطوعية – مراجعة نظام التقاعد – التوظيف بالعقدة…) مما عمق هشاشة المنظومة وأضعف العرض المدرسي.
- طغيان إيديولوجية ليبرالية متطرفة لدى المسؤولين الحكوميين والتربويين، الساهرين على مختلف الإصلاحات، جعلها تسير في اتجاه إضعاف منظومة التعليم العمومي واختراقه بفتح عدد من مرافقه للقطاع الخاص أو العمل بوضوح على دعم وتقوية القطاع الخاص
- طغيان سياسة التقشف غير المعلنة ضد القطاع. وقد تأكدت هذه الخلاصة من خلال الإجراءات الاستعجالية التي أقدم عليها وزير التربية الوطنية الحالي (التوظيف بالتعاقد)، وتؤكد الباب المسدود الذي وصلت إليه المنظومة العمومية. وهي خلاصة أكدها تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر في ربيع 2017 (الاكتظاظ – الخصاص- ضعف البنية التحتية …)
وعلى الصعيد التربوي
- عدم وضوح المرامي والغايات والأهداف، مع غياب نموذج بيداغوجي يركز على التنوع والانفتاح وروح المبادرة والابتكار .
- استمرار ضعف التمكن من التعلمات الأساسية المتمثلة في اللغة العربية – اللغات الأجنبية- والمعارف والكفايات الأساسية” القراءة والكتابة والحساب” والقيم .
- عدم تحقيق هدف تعميم التمدرس منذ سنة 2000 إلى الآن، إضافة إلى غياب تكافؤ الفرص، وانعدام المساواة، وتفاقم الهدر المدرسي يسجل أكثر من 300.000 تلميذ يغادر المدرسة سنويا. وتقوية جيوش الأميين والأطفال العاملين أو في وضعية شغل.
- استمرار تهميش الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يتعرضون للإقصاء والتهميش في السياسات الحكومية بالقطاع وترك مصيرهم مرتبطا بمبادرات جمعيات المجتمع المدني ذات الإمكانيات المحدودة، في حين أن أعدادهم تقدر بما يفوق 1.530.000 أي ما يعادل 5.12% من السكان، وهو ما يتطلب سن سياسة واضحة من طرف الدولة احتراما لحقوق هذه الشريحة من المجتمع.
- ضعف المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة التربوية، وانغلاق المدرسة على محيطها وعدم تفاعلها مع حاجيات المجتمع وسوق الشغل.
- تعامل الحكومة مع التحدي الرقمي في المدرسة كعنصر كمالي، في حين أن هذا العنصر غير عمق العلاقة بين الأستاذ والتلميذ، وأثر بشكل كبير على وظيفة الأستاذ داخل الفصل وعلى دوره كناقل للمعرفة، ومواكبة المستجدات والتطورات المتسارعة لعالم اليوم .
- إبقاء التعليم الأولي (الطفولة المبكرة) خارج الإطار الرسمي يتمتع القطاع الخاص باحتكاره وبأرباحه التجارية، علما أن هذه المرحلة العمرية تعتبر أساسية لتعميم الحق في التعليم لجميع الأطفال دون تمييز اقتصادي أو اجتماعي أو عرقي أو جنسي.
- تفاقم الخصاص في الموارد البشرية ذات التكوين الجيد، ومحدودية المناصب المالية، وسيادة الاكتظاظ، واللجوء إلى التعاقد دون تكوين حقيقي ستكون له انعكاسات خطيرة وسلبية في تحقيق أهداف المنظومة التعليمية العمومية.
وحدد الأخ زعتري أهم رافعات الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030 في النقط التالية:
- التعليم الأولي – والتعليم بالوسط القروي – وتمدرس ذوي الحاجات الخاصة – والتربية غير النظامية – ومحاربة الأمية – وتجهيز ودعم المؤسسات – وتحسين جاذبية المدرسة – ومكانة ودور التعليم الخصوصي – وتجديد مهن التدريس والتكوين وتدبير المسار المهني – ودور التفتيش والتخطيط – وأخلاقيات المهنة – وهيكلة المؤسسات – ومقومات النظام البيداغوجي – ولغات التدريس وتدريس اللغات- وحكامة المنظومة – و تمويل التعليم – وملاءمة التعليم مع حاجيات البلاد- والمدرسة والثقافة – والمدرسة وقيم المواطنة والديمقراطية – والمدرسة والتعبئة الوطنية – والتعلم مدى الحياة – والمدرسة واقتصاد المعرفة – وشروط التدبير الناجح للإصلاح.
- التمويل والمجانية: شكل تمويل التعليم، ومنذ سنوات الستينيات أحد عناصر الخلاف بين الدولة والأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية. فتمويل التعليم والتكوين يعد ركيزة أساسية لتوفير البنيات الأساسية، والأدوات الضرورية، والأطر ذات الكفايات والتكوين الجيد لإصلاح للمنظومة التربوية، ومحددا أساسيا لتحقيق التعميم، وتحسين جودة التعليم بما يحقق الإنصاف والمساواة بين المواطنين. ومن هذا المنظور يفرض الأمر على الدولة تخصيص الموارد المالية الكافية، والزيادة في الميزانية الوطنية للتعليم باعتباره استثمارا في المستقبل.
- الخوصصة: من القرارات الأولى التي اتخذها الوزير الحالي للتربية الوطنية هي إلغاء قرار الوزير السابق القاضي بمنع أساتذة التعليم العمومي من العمل في القطاع التعليمي الخاص. إن هذا القرار الذي سمح من جديد للقطاع الخاص باستغلال موظفي المدرسة العمومية، يلخص بوضوح حجم التشجيع الذي يحظى به هذا القطاع لدى مختلف الحكومات منذ سنوات الثمانينيات، من إعفاءات ضريبية، وعقارات، وتفويت مؤسسات عمومية، وغض الطرف عن أوضاع عدد من الممارسات التعليمية الخاصة سواء على المستوى الإداري والتعليمي غير المقبولة، وعن الابتزاز الذي تتعرض له الأسر المغربية في هذا القطاع. وقد برز ذلك في بلاغ أخير لوزارة التربية الوطنية أشار بأن حوالي 37 في المائة من مؤسسات التعليم الخاص إما تعاني من صعوبات في التسيير أو “مخلة بعدد من البنود المنصوص عليها في البنود التشريعية والتنظيمية”.
- التوظيف بالتعاقد: من الأمثلة الفاضحة في تعامل الدولة مع إصلاح التعليم بشكل انتقائي هو القرار العاجل الذي أقدمت عليه الوزارة والمتمثل في توظيف أساتذة بالتعاقد في الأكاديميات، بدعوى سد الخصاص المهول في الموارد البشرية. إلى جانب ذلك تستند الحكومة السابقة والحالية على ما ورد في “الرؤية الاستراتيجية للإصلاح” لتبرير قراراتها، حيث أكد نص الرؤية على “تنويع أشكال توظيف المدرسين والمكونين…”، إن الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 -2030 التي تدعي تجويد المدرسة العمومية والارتقاء بها تتضمن إجراءات لا تخدم الإصلاح، كالتراجع عن المجانية، وأشكال جديدة للتوظيف. هذه الإجراءات المبثوثة في ثنايا النص هي التي تعطى لها الأولوية في التفعيل الحكومي لمضامين “الرؤية الإستراتيجية…”. إن التوظيف بالتعاقد الذي أقرته الحكومة بقطاع التعليم هو ضرب للاستقرار المهني، وضرب لمفهوم الوظيفة العمومية، ويندرج في سياق إرساء نظام للعمل مبني على التحكم الإداري في الحرية البيداغوجية الضرورية لمزاولة مهنة التدريس.
- تحقيق مدرسة المساواة.
تنص الرافعة الأولى من “الرؤية الإستراتيجية للإصلاح” على مسؤولية الدولة في توفير المستلزمات الميسرة للتدريس على المدى القريب والمدى المتوسط
- وتؤكد المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوضوح على أن :>>لكل شخص الحق في التعليم. ويجب أن يوفر التعليم مجانا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية. ويكون التعليم الابتدائي إلزاميا ويكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم. ويكون التعليم العالي متاحا للجميع تبعا لكفاءتهم <<.
- كما أن الدستور المغربي لسنة 2011 في المادة 31 على الحق في “الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج ذي جودة”.
من هنا تظهر مسؤولية الدولة في ضمان حق التعليم لكل المواطنات والمواطنين، وتعميمه، مع حظر كل أنواع التمييز، وتحقيق المساواة في: - ولوج التعليم من التعليم الأولي إلى التعليم الجامعي دون تمييز.
- الحصول على تعليم جيد في المجالين الحضري والقروي، والحق في ولوج الجامعات على قدم المساواة
- توفير فضاءات جيدة للمتعلمات والمتعلمين بالوسطين الحضري والقروي
- الالتزام بمبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق دون تمييز قائم على الجنس أو اللون أو الدين أو اللغة.
- في تحقيق وتعميم تعليم ذي جودة وإلزاميته.
في نهاية هذا العرض الكافي والضافي، فتح نقاش مستفيض بين أعضاء المجلس الإقليمي لإغناء محاوره على ضوء التجربة الميدانية لنساء ورجال التعليم بالمؤسسات التعليمية والوقوف على المفارقة بين الخطاب الرسمي والممارسة الميدانية.
وكم كانت لحظة إنسانية مفعمة بالصدق والعرفان والبوح الجميل حين أخذ الأخ عبد اللطيف نجاه الله أحد الأطر التربوية المتقاعدة، حيث اعترف بفضل الأخ محمد زعتري على مساره المهني والإنساني باعتباره مؤطرا تربويا كان يتصف خلال حياته المهنية بالنزاهة والصدق والكفاءة المشهود له بها من طرف زملائه في مهنة المتاعب.
وفي الختام اتفق أعضاء المجلس الإقليمي الحي الحسني على تحديد يوم السبت 14 أكتوبر 2017 كسقف زمني لانتخاب مؤتمرات ومؤتمري الإقليم في المؤتمر الوطني.
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش