اليسار في حد ذاته مدرسة…
إبراهيم براوي…
قبل الخوض في تحليل ما جاء على لسان السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في موضوع “السليت” الذي قرنه بالأساتذة المنتمون إلى اليسار، وهو القادم إلى قطاع اجتماعي مسيس بامتياز، ويضم أطرا وكفاءات موكول لها تعليم وتكوين مواطني ومواطنات الغد.
وبما أن الموضوع مرتبط باليسار واليساريين، لا بد من التذكير بشيء من التاريخ، وإن كان ليس موضوعنا.
في المغرب، ارتبط الانتماء إلى اليسار، بالحركات التي شكلت استمرارا لحركة التحرر الوطني، والتي كونت حركات مناضلة من أجل الديمقراطية، ثم من أجل العدالة الاجتماعية، في أشكال موحدة ضد الاستغلال والتسلط، أشكال كانت مختلفة حول الآليات والأساليب المتبناة لمناهضة صور الاستغلال، لكنها كانت مجتمعة حول آلية تشخيص موحدة للواقع المغربي، آلية جعلت الطبقة المتوسطة حاملة لفكرة التغيير، وجعلت كل رافض للتغيير في موقع المناهض لليسار، وهذا هو التقاطب الكلاسيكي، الذي حكم الفعل السياسي بالبلد، هكذا يسار يناضل من أجل التغيير، ويمين يقاوم للحفاظ على سكينة الواقع، أو يراهن على تدرج بطيء لكل صور التغيير فيه.
والأساتذة والأستاذات بحكم انتمائهم إلى هذه الطبقة الوسطى، وبحكم دورهم التنويري في المجتمع، فلا غرابة إذن أن تجدهم في طليعة المدافعين عن العدالة الاجتماعية ومناهضة كل أشكال الاستغلال والاستبداد، وتبني مجموعة من القيم النبيلة من أجل غد أفضل.
فالأساتذة اليساريون هم من وضع التعليم وإصلاحه ضمن أولوياتهم الاستراتيجية لأنهم مقتنعون قبل غيرهم أن التعليم هو الجسر الوحيد لعبورنا نحو مغرب الديمقراطية والحداثة والتقدم.
والأساتذة اليساريون هم من يلفت انتباه الناس منذ الاستقلال إلى اليوم ليس فقط إلى جدوى إصلاح التعليم بل وإلى ضرورته وملحاحيته، وأن هذا الإصلاح يسلتزم فيما يستلزمه توفر إرادة سياسة واضحة وملموسة، وهو ما يلاحظ الأساتذة اليساريون للأسف غيابه لدى القائمين على الشأن العام في هذا البلد السعيد!
الأساتذة اليساريون هم الذين عاهدوا أنفسهم وعاهدوا هذا الشعب أن لا يغمض لهم جفن ويرتاح لهم بال إلا بوضع قطار التعليم في هذا البلد على السكة الصحيحة، سكة الفعالية والجودة والتحديث والتطور!!
الأساتذة اليساريون هم من دافع ويدافع على المدرسة العمومية، مدرسة تضمن التعليم الجيد للجميع وترسخ قيم المواطنة الحقة، وحب الوطن، واحترام وتقديس الواجبات والدفاع حتى الرمق الأخير على الحقوق، وحب العمل والتفاني في أدائه بإخلاص، والانتصار للفضيلة والنزاهة والاستقامة والعلم والمعرفة وتكريس ثقافة النقد والاختلاف والانفتاح على روح العصر ومنجزات الإنسانية التي ترفع من قيمة الإنسان وتعلي من شأنه!!
الأساتذة اليساريون هم من ناضل من أجل مجانية التعليم وتعميم التمدرس وتعليم الفتاة القروية حتى لاتبقى مستغلة وخادمة بيوت الليبرالية المتوحشة .
الأساتذة اليساريون هم الجدار الذي ستتكسر عليه كل محاولات العبث بالتعليم والمدرسة العمومية، وهي المحاولات التي تقودها الرجعية المحافظة دينية كانت أو مخزنية!!
إن الهروب عن موضوع الإصلاح، اعتراف ضمني بالفشل. وعوض الانكباب على المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المنظومة التعليمية في المغرب ومحاسبة المسؤولين الحقيقيين على وضعها المتردي تراهم دائما يعلقون أخطاءهم وفشل سياساتهم على الحلقة الأضعف.
كل وزير فاشل أخفق في تدبير قطاع التعليم سيبحث عن مبررات يغطي بها على فشله… وطبعا لن يجد إلا الأستاذ ليعلق عليه إخفاقاته… هذا الأمر ألفناه لكن الجديد الذي جاء به السيد الوزير، وهو اتهام اليساريين بالذات دون غيرهم، علما أن المطبوع الذي يعبئه الأستاذ (ة) عند تغيبه لا يحتوي على أي خانة يسجل فيها انتماءه السياسي أو الحزبي أو النقابي… اللهم إذا كان السيد الوزير يبني اتهاماته على تقارير أعوان السلطة من الشيوخ والمقدمين الذين كان يكلفهم بإحصاء المضربات والمضربين المطالبين بحقوقهم والساخطين على سياسات أسلافه والتي يجمع الجميع بكونها فاشلة… علما أن الفصل العشرين من النظام الأساسي للوظيفة العمومية ينص بالحرف على أن “الملف الخاص بكل موظف تسجل فيه وترقم وترتب بدون انقطاع جميع الأوراق التي تهم حالته المدنية وحالته العائلية وحالته الإدارية، ولا يجوز أن تدرج في هذا الملف أية إشارة لنزعات صاحبه السياسية “والفلسفية والدينية.
وأخيرا، ليعلم السيد الوزير أننا درسنا على يد أساتذة يساريين وكانوا معروفين عند تلاميذهم وتلميذاتهم بجديتهم وبتكوينهم وثقافتهم والتزامهم بالعمل بل وصل إشعاعهم وصيتهم إلى أسرهم وساكنة محيط المدرسة، حيث كان أغلبهم يأتي خارج أوقات عملهم لتأطير التلاميذ والتلميذات في الأنشطة الثقافية كالمسرح والموسيقى ونوادي السينما ويعود لهم الفضل في تكوين جيل مثقف متعدد المواهب من السياسيين والمفكريين والممثلين والأساتذة وكونوا النواة الأولى لجمعيات المجتمع المدني، لأنهم كانوا يعتبرون التعليم رسالة وكفاحا للنهوض بهذا البلد، وواجهة من واجهات النضال من أجل غد أفضل.
لقد أخطأت أيها الوزير في اتهامك المجاني للأساتذة اليساريين واليساريات، فمن ينشط المجالس التربوية، ومجالس التدبير، وجمعيات تنمية التعاون المدرسي، والجمعيات الرياضية المدرسية، وجمعيات الأعمال الاجتماعية للتعليم، أليسوا أساتذة يساريين؟؟؟
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش