آخر المستجدات

محاولة لفهم البلاغ والمراسلة والتصريح الوردي استشرافا لما بعد الإضراب الصحي

حمزة إبراهيمي

photostudio_1492617457084يوم الأربعاء المنصرم كان يوما تاريخيا في قطاع الصحة… هكذا أضحى هذا الميدان المنسي بفعل الحسابات السياسية المغلوطة التي تعتبره عبئا على الدولة وجب التخلص من همومه ومشاكله عبر إدراج أسهم الخواص وتخويلهم مقاليد القطاع. فكان نجاح الإضراب الوطني الإنذاري ليوم الأربعاء الذي شل القطاع وحقق نسبا خيالية لم ينويها أحد أحسن جواب. هذا الإضراب الذي دعا إليه للتذكير الحراك التمريضي قبل شهرين وتبنته كل النقابات القطاعية، كان له وقع مزلزل على الساحة الإعلامية والسياسية والاجتماعية عجلت بأن تعج وسائل الإعلام فجأة بأخبار القطاع ومواكبة مهمة وتطلعات العاملين به وأولهم الممرضون، الذين أخرجوا الوزارة من سباتها العميق فأصدرت بلاغا من صفحتين تحكي لنا اسطوانة عتيقة تجمل بها تجاعيد قطاع مكلوم، وهو المنخر، والمجهد من تفاقم أوضاع العاملين به وخاصة الممرضين.
إن الصبغة والصيغة التي اتخذها البلاغ الوزاري والذي أعاد تلاوته السيد الوزير عبر مختلف الوسائل بطرق مختلفة ترتكز بالأساس على زرع جرعات الأمل المؤجل والانتظارية في نفوس ممرضين أثقلهم هم المعادلة وأعياهم انتظار إقرارها طيلة 6 سنوات منذ التوقيع بشأنها في محضر 5 يوليوز 2011، والتي ظلت مضامينه معلقة حبرا على ورق بالرغم من تنامي الإحساس بالغبن والتهميش في صفوف الممرضات و الممرضين بفعل تكرار نفس الوعود، في مقابل تزايد ضغط العمل وارتفاع هموم الشغل وتفاقم الأوضاع المادية والاجتماعية للممرضين.
خلاصة القول في بلاغ وتصريح وزارة الصحة بمناسبة نجاح الإضراب يمكن إجمالهما في نقطتين أساسيتين أولهما أن “الوزارة جاءت تقول “أنا ديرت اللي عليا” وما يعيق تحقق المعادلتين هم وزراء باقي القطاعات بمعنى أن الوزارة تقول “أنا ديرت اللي عليا ماشي سوقي فالشي اللي باقي” وذلك عبر تمرير مغالطة أنه تم إقرار المماثلة العلمية غير أن 27000 ممرض كاملين يريدون متابعة الماستر والدكتواره “بدقة واحدة” وهذا الأمر لن يمكن أن يقبله حتى الممرضون أنفسهم لعلمهم بالضوابط البيداغوجية لولوج سلكي الماستر والدكتواره. فالوزارة ارادت بهذا المعنى أن تدفع المشكل عن بابها وترجأه لأقرب حائط بالوزارة يحتج عنده الممرضون منذ سنوات. لذا لاحظنا جميعا كيف تجندت وسائل الإعلام بعد الإضراب لتصريف المواقف المغالطة لوزارة الصحة بأنها استجابت بكل هذه السهولة لمطالب الممرضين التي ظلت معلقة لسنين. والحقيقة هنا أن دبلوم السلك الأول لغاية اليوم ليس دبلوما جامعيا وأن مراسلة التعليم العالي التي تحدث عنها الوزير لا تخول لممرضي الدرجة الثانية والأولى معا التسجيل بأدنى كلية، فهي مجرد كتابة حبر على ورق لم تنفع أي ممرض لدخول مدرج الدراسة، علما أنه ليس كل 27000 ألف ممرض يرغبون في إتمام دراستهم، ولكنهم جميعا متشبعون بفكر التطوير العلمي لمهن التمريض بالمغرب والارتقاء بها الذي لا يتطلب درهما واحدا و إنما إرادة حقيقية التي يسميها المغاربة “الرجولة”.
أما المعطى الثاني الذي حاولت الوزارة من خلاله الالتفاف على الرأي العام هو تعبيرها الصوري على الانفتاح وإشراك الفرقاء الاجتماعيين في المبادرة والفعل المؤسساتي الرامي إلى إعادة التأسيس في مرسوم النظام الأساسي لهيئة التمريض الذي سيقر ترقية وإعادة ترتيب الممرضين في درجات جديدة انطلاقا من السلم 10. المفارقة هنا أن الوزارة المعنية لم تتذكر أن لديها نقابات ذات تمثيلية مهمة بالقطاع إلا إذا اشتد الحبل والخناق عليها، فهل تذكر الوزارة متى كان آخر احتكام لطاولة الحوار الاجتماعي القطاعي حول المطالب العادلة والمشروعة للأطر الصحية؟؟
إن لم تخني الذاكرة في يوليوز 2014 ما دون ذلك كانت اجتماعات روتينية للجان موضوعية للمصادقة على المساطر المتعلقة بالموارد البشرية لا أقل و لا أكثر. اليوم أتت الوزارة بعد أن أعدت في كواليسها مشروع النظام الأساسي الجديد للممرضين وسار جاهزا، ورمت إلى الميدان بورقة استباقية هي مراسلة النقابات واستجداء مقترحاتها، هدفها في ذلك إضفاء الشرعية وصبغ المسطرة بالألوان الديمقراطية وفي نفس الوقت توريط النقابات، آملة أن لا يتكرر الرفض الذي صاحب التعديل الأخير لنفس النظام في 2012 القاضي بالسماح للتقنيين في التمريض خريجي المعاهد الخاصة في اجتياز مبارايات التوظيف وكذا الجدل والاحتجاج الذي صاحب الطرح المباشر لمشروع الخدمة الصحية الإجبارية دون المرور بمسطرة إبداء المقترحات والرأي.
الوزارة وقعت كذلك في حالة تسلل واضح بين المراسلة التي عممتها على النقابات والبلاغ الذي وزعته على الرأي العام حيث طالبت الوزارة في مراسلتها للنقابات بإيفاءها بمقترحات تخص فقط استحداث نظام جديد لهيئة التمريض يخص المعينين الجدد خريجي نظام LMD بمعاهد التمريض حيث طلبت أن تقتصر المقترحات على أربع مسارات التكوين في النظام الجديد وتجاهلت بصفة مطلقة مشكل خريجي النظام القديم وهو ما يضع مطلبهم الأساسي في المعادلة على المحك، ويعيد إلى الأذهان مطحنة تغيير النظام الأساسي للممرضين في سنة 1993 عندما أقبرت وأعدمت وزارة الصحة حلم آلاف الممرضين آنذاك خريجي سنتين من التكوين في الترقية إلى السلم 9 حيث فصلت بذلك بين أبناء الجسم التمريضي الواحد… لذا وجب الحذر من تكرار نفس السيناريو مجددا مع الممرضين المجازين من الدولة خريجي معاهد تأهيل الميدان الصحي.
أمام هذه الضبابية والتضارب في المواقف التي يسمها المغاربة “الدغول والخواض” الوزاري وجب استشراف الطريق الصحيح لتحقيق المعادلتين المنشودتين فعلى النقابات تضمين جميع مقترحاتها في جوابها على المراسلة الوزارية شرط إقرار إعادة ترتيب جميع الممرضين ابتداءا من السلم 10 وأن ترفض أي إصلاح للنظام الأساسي لا يتضمن إقرار المعادلة الإدارية للممرضين الموقع بشأنها في محضر 5 يوليوز. أما الفعاليات والحراك التمريضي فهو مطالب اليوم بالسعي إلى توحيد جميع الجهود خلف التنظيمات النقابية والانفتاح بخلق قنوات التواصل والتآزر وتجاهل نعرات البروز والفتنة والتخوين لأن الملف التمريضي خاصة شقه المتعلق بالمعادلة الإدارية على المحك. فأن نكون أو لا نكون

أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: