آخر المستجدات

رسالتي إلى الأساتذة (ات) المتدربين (ات)

عاصم منادي إدريسي

Assem1منذ تولي حكومة حزب العدالة التنمية بزعامة بنكيران مقاليد الحكم في المغرب، عاش المغاربة على إيقاع هجوم لم يسبق له مثيل على قدرتهم الشرائية، بسبب السياسات الحكومية التفقيرية التي اتخذت من الزيادات في الأسعار والرفع من قيمة الضرائب وأثمنة المحروقات وفواتير استهلاك الماء والكهرباء، قرارات مجحفة تواجه بها إفلاس الصناديق المالية العمومية.

أمام هذه الحملة المسعورة بلع جميع المتدخلين في الفضاء العمومي من سياسيين ونقابيين ألسنتهم إلا من بعض المواقف التي لم تقف في وجه غطرسة رئيس الحكومة. وبينما كان هذا الأخير مزهوا بانتصاراته الانتخابية، ماضيا في سياساته اللاشعبية، يفرضها مقتنعا بعجز خصومه وتشرذمهم، فاجأه الأساتذة المتدربون وهم يرفضون الانصياع لمرسوميه اللذين يستهدف أولهما في العمق التعليم العمومي، بينما أجهز الثاني على نصف المنحة المخصصة للتكوين. وبما أني كنت متتبعا لهذه المعركة التي تدخل اليوم مراحلها النهائية، فإنني أود تبليغ بعض الرسائل الشخصية لهذا الجيل، رسائل يمكن اعتبارها في الوقت ذاته شهادة للتاريخ.

 أيها الأساتذة المتدربون(ات) لقد أكدتم فعلا أن نساء ورجال التعليم هم الشعلة التي تتوقف عليها الآمال، لتكون السد الأول الذي يقف في وجه السياسات الجائرة للحكومات والدول. وتنبهتم قبل الجميع إلى مخاطر المرسومين بصفتهما جزء من مشروع تخريبي يهدف إلى ضرب المدرسة العمومية وخنق دورها ووظيفتها الحيوية بالنسبة لعموم المغاربة وفقرائهم الذين ننتسب جميعا إليهم.

أيها الأساتذة المتدربون (ات)، لقد صرختم عندما صمت الجميع، وواجهتم عندما انسحب الجميع، وصمدتم أكثر مما توقع الجميع، وأثبتم أن المربي الأستاذ(ة) لا يعطي النموذج في احترام العمل والتفاني في الواجب وتبسيط الدروس النظرية لتلامذته، فقط  بل يعطي النموذج المثالي للعالم في التمسك بالحق والدفاع عن الفقراء والوقوف في وجه الظلم ومواجهة الظالمين.

أيها الأساتذة المتدربون (ات)، لقد صمدتم بوسائلكم البسيطة جدا، في وجه أكثر الحكومات غطرسة وطغيانا وتعنتا، وتحملتم الضربات وقسوة الظروف وغلبة إكراهات الحياة وقسوتها. وفي الوقت الذي راهنت فيه الحكومة الملتحية على انهياركم وخلافاتكم وضعف نفوس بعضكم، أثبتم خسران رهانها وفشله بوحدتكم وانضباطكم ومثابرتكم وعزمكم وصمودكم المنقطع النظير.

أيها الأساتذة المتدربون (ات)، لقد شيدتم تنظيما وطنيا على درجة عالية من التنسيق والانضباط والوحدة، وتمكنتم من تذويب الخلافات الداخلية التي كنا نتوقع أن تنشأ من الاختلافات الإيديولوجية والانتماءات السياسية لبعضكم. وخضتم أشكالا نضالية غير مسبوقة في تاريخ المغرب الحديث من حيث التدرج في التصعيد والجدية والتنظيم المحكم، وكل هذا في وقت وجيز لم يتعد الشهرين. وهي أمور لم تنجح فيها التنظيمات السياسية والنقابية العريقة التي يجب عليها أن تتعلم الدروس منكم.

أيها الأساتذة المتدربون (ات)، لقد حيرتم حكومة السيد بنكيران بسلمية المعارك النضالية التي خضتموها رغم استفزازات الأجهزة الأمنية، ورغم التدخلات القمعية التي بلغت من الوحشية والبشاعة أن خلفت إعاقات وكسور وتشوهات وندوب وجروح بليغة لا زال الكثيرون منكم يتابعون علاجاتهم جراءها. في سلوك أظهر وحشية الحكومة وميلها للقمع المفرط، وبالمقابل أكد للعالم رقيكم وتحضركم الذي لم تسجله أي حركة احتجاجية في العالم أجمع.

أيها الأساتذة المتدربون (ات)، لقد وقفتم لمدة طويلة وحيدين في مواجهة الآلة القمعية الحكومية، وسجلتم في كل معركة عشرات الجرحى والمعطوبين، ومع ذلك ما زلتم مستمرين بشجاعة في معركتكم البطولية التي تواجهون فيها قسوة الظروف الطبيعية من برد ومطر وثلوج، وقسوة الحكومة وقمعها وتنكيلها بكم (ن) ولم تكتفوا بذلك الصمود، بل أضفتم للمعارك النضالية شرطا جديدا هو أخلاق المناضل وإنسانيته، وهو ما جسدتموه وأنتم تقدمون بصدر رحب الماء والطعام لرجال الأمن وتبتسمون في وجوههم وتصفقون لحضورهم وتغنون لهم في رحيلهم.

أيها الأساتذة المتدربون، نحن ممتنون لكم لأنكم فضحتم حقيقة الحزب الحاكم التي لطالما حرص قادته وزعماؤه على إخفائها تحت أغطية الدين وقداسة رجاله. تلكم الحقيقة التي حاولوا طمس معالمها تحت مظاهر التواضع والتدين والمسكنة والمظلومية والتباكي واللعب على عواطف عموم الناس. بسبب معركتكم عرف جميع المغاربة حجم الخبث الذي تنطوي عليه نفوسهم والقسوة التي تتملكهم والحقد الدفين الذي يكنونه لأسرة التعليم. وبفضل تضحياتكم لن يكونوا قادرين على تمرير مغالطاتهم وأكاذيبهم مجددا.

أيها الأساتذة_المتدربون. لقد وصلت معركتكم إلى اللحظات الحاسمة، وفي كل تجربة نضالية فتية لا بد أن تكون هناك أخطاء واختلالات تكون جزءا من طبيعة العمل. وككل قيادة لا بد أن تختلف تقديراتكم الشخصية للمعركة وتقييمكم لنتائجها، والتي قد تكون مختلفة طبعا مع التقدير الذي يصل إليه مجلسكم الوطني. لكنني أدعوكم كأي غيور محب ومتضامن حتى النخاع- إلى احترام قيادتكم الوطنية وعدم الانجرار وراء بعض الأصوات التي قد تحاول بث التفرقة والفتنة داخليا.

زملائي الأساتذة المتدربون (ات)، من تجربتي البسيطة كمسؤول نقابي، ومن معرفتي بطبيعة التنظيمات السياسية والنقابية، أريدكم أن تتأكدوا من أن قيادتكم الوطنية، تملك من الحكمة والمسؤولية ما يكفي لتتيقنوا جميعا من أنها تدير المعركة والمفاوضات بالشكل الذي ينبغي أن تكون عليه، وهو شكل أذهل الحكومة.

زملائي الأساتذة المتدربين، أنتم تواجهون حكومة رصيدها السياسي هو القمع والتعنت، وخاصيتها هي الحربائية والمناورة والتضليل وبيع الأوهام. وإلى حدود الآن، سقطت كل مناوراتها على صخرة صمودكم ووحدتكم وانضباطكم وتماسككم الداخلي. ومع ذلك تيقنوا أن خصمكم لن يمل من المناورة وتصيد الهفوات والانفلاتات لنفث السموم وترويج الإشاعات التي تمس بعضكم البعض، من أجل خلق انشقاقات وخلافات داخلية. وبما أنه عاجز عن خلقها فعليا، فسيكلف أدواته التخريبية لصنعها وهميا على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم اقتناعي بنضجكم وحس المسؤولية العالي لديكم، إلا أنني أدعوكم بدافع المحبة والغيرة إلى مزيد من اليقظة والحذر وتجنب الانجرار إلى نقاشات جانبية. أرجوكم جميعا أن تتجنبوا في منشوراتكم لغة التخوين والاتهامات القاسية بالتخوين والعمالة والانهزامية والخوف…

زملائي الأساتذة المتدربون (ات)، شخصيا أتفهم معاناتكم وظروفكم الصعبة جدا. ويؤلمني ما تقاسونه من ظلم وعدوان، ومع ذلك أريد التأكيد على أن وقت المحاسبة الداخلية عن الحضور والمواقف لم يحن بعد. فالمعركة في أوقاتها الحاسمة. وأنتم أشد ما تكونون في حاجة إلى الوحدة والتضامن والتآزر. فلا تسمحوا للوصوليين والأفاكين بزرع الفتن بينكم وحافظوا على وحدتكم، فهي رأسمالكم الرمزي الذي لم تستطع كل التنظيمات السياسية المغربية تحقيقه منذ ولادتها وحتى اليوم.

بالنسبة لي شخصيا، أنتم أبطال (ات) حقيقيون (ات) على المغاربة ان يكونوا جميعا ممتنين لكم، لأنكم فرملتم سرعة رئيس الحكومة وجعلتموه يعيد حساباته ويندم في اليوم ألف لحظة على قسمه المشؤوم ضد سقوط المرسومين. أنتم مدرسة نضال حقيقية يجب أن تقصدها كل الحركات الاحتجاجية لتتعلم معنى النضال الطويل النفس والنموذج في السلمية والاحترام والأخلاق. ويشرفني أنني كنت مشاركا في بعض محطاتكم الجهوية والوطنية، ومواكبا لها بالقلم والنشر والمساندة.

لكم مني جليل الاحترام وعظيم التقدير وخالص الود وصادق التعاطف.

أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d