الهدر المدرسي
كتابات من أرشيف
عائشة التاقي
الهدر المدرسي
الهدر في الأصل مصطلح يدخل في إطار لغة رجال الأعمال وأهل الاقتصاد، إلا أنه دخل المجال التربوي من منطلق أن التربية أصبحت ضمن الأنشطة الاقتصادية التي توظف لها إمكانيات مادية وبشرية مهمة قصد تحقيق الاستثمار المنشود في هذا المجال. ولذلك فإن النظرة إلى العملية التربوية لم تعد مقتصرة على كونها خدمة مجتمعية، وإنما هي استثمار له عائداته الممثلة، في تكوين الثروة التعليمية من القوى البشرية المؤهلة. من هذا المنطلق شرعت الدول الأعضاء في اليونسكو (ومن بينها المغرب الذي يتصدر بعد موريتانيا قائمة الدول العربية من حيث ارتفاع نسب الهدر المدرسي المسجلة) في العمل على خفض نسب الهدر المدرسي وفق مقاربة شمولية ذات بعدين وقائي وعلاجي تهدف إلى وضع إطار للتعامل مع الظاهرة في أبعادها المختلفة .
الهدر المدرسي في أرقام
يمثل الهدر المدرسي ببلادنا قضية شائكة ومقلقة، باعتباره قوة مجهضة لمجهودات النظام التربوي في تعميم التمدرس والحد من أعداد المنقطعين، حيث يستفاد من معطيات رسمية أن نسبة الانقطاع عن الدراسة في مجموع المرحلة الابتدائية بالمغرب تصل إلى 15.6 % بالنسبة لمجموع التلاميذ، أما في التعليم الثانوي الإعدادي، فتصل نسبة الهدر إلى 19.7 %، بينما تبلغ في التعليم الثانوي التأهيلي 25.1%. وتتصدر المدرسة الابتدائية قائمة المؤسسات التي يغادرها الأطفال دون أن يتمكنوا من فك ألغاز الكلمات أو كتابتها. وتشكل الإناث أول ضحايا الهدر المدرسي بالمغرب بنسبة 58.4% من مجموع المنقطعين، ونسبة 80% في الوسط القروي من نفس المجموع.
استراتيجية الحد من ظاهرة الهدر المدرسي:
في سياق محاربة ظاهرة الانقطاع عن الدراسة، يتعين العمل جديا وبكل الوسائل الممكنة على تقليص نسب الانقطاع الإجمالية وفق مقاربة شمولية ذات بعدين وقائي وعلاجي، تهدف إلى وضع إطار للتعامل مع الظاهرة في أبعادها المختلفة بتضافر وتنسيق جهود كل المتدخلين من قطاعات حكومية وجماعات محلية، ونقابات وجمعيات متخصصة وقطاع خاص للحد من الظاهرة، علما بأن القطاع الوصي كان سباقا لمواجهة هذه الآفة، غير أن محدوديته أمام تفاقم الظاهرة أصبح يستلزم تدخل كل الأطراف وتحديد أدوارها ومسؤولياتها وذلك:
– بتوفير قاعدة معطيات شاملة خاصة بتلاميذ المدارس بحيث يتم رصد الحالات المهددة بالهدر المدرسي والتعرف على مؤشرات واتجاهات الرسوب والتسرب من سنة إلى أخرى، مما سيسهل عملية اتخاذ القرار على أسس سليمة ومعلومات موثقة.
– بإجراء تقويم للخطط الموضوعة لعلاج مشكلة غياب التلاميذ المتكرر، على أن تكون مبنية على إحصاءات واضحة ودقيقة لمعدلات الغياب، وبمشاركة جميع الأفراد المتدخلين في العملية التربوية من مديرين وأساتذة وتلاميذ وأولياء الأمور.
– بإحداث مراكز للإنصات والدعم السيكولوجي للتلاميذ بالمؤسسات التعليمية، تحت إشراف مختصين اجتماعيين مهمتهم الاطلاع على ظروف التلميذ الاجتماعية والنفسية ومحاولة البحث عن حلول لما يعترض مسيرته الدراسية من مشاكل، مع التدخل لمواجهة كل سوء فهم يحصل بين التلميذ و بعض المدرسين.
– بتكريس مأسسة جديدة للترابط الضروري بين المؤسسة التعليمية ومؤسسة الأسرة وتوفير شروط ومناخ وآليات هذه المأسسة؛ وذلك في إطار انفتاح المؤسسة على محيطها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وإعادة التكامل بين الأسرة والمدرسة بشكل مستمر قصد إرساء سلوكات جديدة وثقافة تقرب المدرسة من الأسرة وتدمجها في محيطها، وتمد جسور التواصل والتعاون بينهما.
– بالعمل على تحسين الخدمات الاجتماعية للتلاميذ المعوزين وعائلاتهم وإنشاء صناديق خاصة لدعم التلميذ في نفقات التعليم أو في احتياجاته الخاصة بمساهمة من المؤسسات المختصة بالمساعدات الاجتماعية .
– بتوفير المؤسسة التعليمية بالعالم القروي ودعم المدرسين بها من أجل تحفيزهم على الاستقرار هناك
– بالقيام بحملة تحسيسية حول إشكالية الهدر المدرسي عبر تنشيط ورشات متنوعة لمناقشة الحلول الممكنة وتقييم جميع النتائج المحصل عليها. وفي هذا السياق نذكر بالمجهودات المبدولة من طرف النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش) التي أنجزت مشروعا تضمن عدة أنشطة تكوينية لفائدة الأطر التعليمية وكذلك لفائدة آباء وأمهات التلاميذ بمجموعة من المدارس المستهدفة بالهدر المدرسي، بتعاون مع النقابة التعليمية الهولندية A.O.B والنقابة التعليمية الفرنسية U.N.S.A
إن التوسع الذي تحقق في مجال التمدرس، رغم أهميته، تبقى آثاره ذات محدودية، ما لم تعالج ظاهرة الهدر المدرسي، التي تعود لأسباب من داخل المنظومة وأخرى من خارجها (اجتماعية وثقافية واقتصادية)، مما يتطلب مقاربة تشاركية تعتبر التعليم شأنا مجتمعيا يهم المتعلم وهيأة التدريس ورجال الإدارة التربوية والآباء والمنتخبين وكل القطاعات الحكومية المعنية بالتربية والتكوين.
فالإدارة التربوية وحدها في ظل تعقد شروط الحياة الاجتماعية للأفراد أصبحت عاجزة عن تحمل كل أعباء التسيير والتدبير وهي بذلك في أمس الحاجة إلى تدخل الجميع من ضمان سير طبيعي للدراسة وكذلك بغية معالجة بعض الظواهر السلبية التي أضحت تغزو الفضاءات المدرسية إلى جانب الهدر المدرسي كتفشي ظاهرة تعاطي المخدرات وتطور أساليب العنف المدرسي بشكليه المادي والمعنوي.
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش