آخر المستجدات

المديرية الإقليمية وجدة أنكاد: الملف 11 أوحين تحمل الإدارة موظفيها قسرا تبعات زلاتها

بقلم محمد ناصري

الكاتب الجهوي لنقابة مفتشي التعليم بجهة الشرق

لقد كثر الحديث منذ تولي المدير الإقليمي الجديد مهام تدبير الشأن التربوي والإداري بمديرية وجدة أنكاد عن مجموعة من الملفات التي كانت موضوع خلاف بينه وبين فعاليات نقابية وجمعوية نتج عنها ما نتج من توتر واحتقان كان له ولا زال الأثر السيئ على السير العادي للمنظومة التربوية بالإقليم، وعلى العلاقات التربوية بين الإدارة ومجموعة من الشركاء الاجتماعيين. في هذا الإطار، وأمام ما يقال وما ينشر حول الموضوع، نقتصر في الوقت الحاضر على تقديم نموذج لنماذج متعددة من ملفات التي عولجت بطريقة اعتبرها السيد المدير “قانونية”، واعتبرناها نحن في التنسيقية المحلية متسرعة ألحقت ضررا بالغا، لم يقتصر أثره على الضحايا المباشرين لهذا الملف، ولكن امتد ليصل شظاه محيطهم العائلي والتربوي والمهني، ويتعلق الأمر بما أصبح يعرف في الوسط التعليمي بالملف 11، هو الملف الذي يهم أحد عشر إطارا تربويا يدرسون بالسلك الابتدائي، عشرة منهم من العنصر النسوي انتقلوا إلى مديرية وجدة أنكاد سنة 2009 في إطار ملفات اجتماعية فيها حالات صحية وفيها أيضا حالات الالتحاق بالأزواج. ومن المتعارف عليه داخل القطاع أن الحالات المعنية بالملفات الاجتماعية كما يدل عليه مصطلح “اجتماعية” من المفروض أن تعين داخل الوسط الحضري، وفي أسوء الأحوال في الوسط شبه الحضري، أي استفادة هذه الحالات من امتياز القرب الذي من أجله تم الاستجابة لطلباتها. ما حدث خلال سنة 2009 أن المديرية الإقليمية، وبغض النظر عمن كان يتولى مسؤولية تدبير شؤونها آنذاك، وفي إطار توافقي مع الشركاء الاجتماعيين حسب ما هو مثبت في محاضر مشتركة، تم تعيين هذه الحالات مؤقتا في الوسط القروي وأغلبهم كان في وضعية فائض، بالرغم من وجود مناصب شاغرة آنذاك بالوسط الحضري، على أساس أن يعاد تعيينها نهاية السنة الدراسية بالوسط الحضري. ما حدث أن الاتفاق لم يحترم، وعمدت الإدارة إلى استبدال آلية التعيين المتفق حولها بآلية التكليف بالعمل في مؤسسات بوسط المدينة. هذه الوضعية استمرت منذ ذلك الحين إلى نهاية الموسم الدراسي المنصرم، أي أن هذا التكليف المؤقت أصبح بحكم الواقع تكليفا مفتوحا، ولم يلجأ أي مسؤول من المسؤولين الستة الذين تعاقبوا على مديرية وجدة أنكاد على المس بهذه الوضعية سلبا أو إيجابا، حيث حافظوا جميعهم على الوضع القائم لأنهم كانوا يدركون تمام الإدراك أبعاده التربوية والاجتماعية والإنسانية. مع نهاية الموسم الدراسي المنصرم 2015/2016 عمد السيد المدير الإقليمي الجديد وبشكل أحادي، وفي خطوة مفاجئة، إلى إلغاء هذه التكليفات التي تعود لسنة 2009، دون إيلاء أدني اعتبار لخصوصية هذه الحالات، وذلك بالرغم من نداءات وتحذيرات الشركاء الاجتماعيين، علما أن المدير الإقليمي السابق بدوره واجهته أيضا هذه الإشكالية أثناء تفعيله لعملية تدبير الفائض والخصاص في نهاية الموسم الدراسي 2014/2015، لكنه تعامل مع هذا الإكراه بشكل مرن، حيث حافظ على الوضع القائم ولم يبادر إلى إلغاء هذه التكليفات، وتم تجاوز الوضع بسلام ومرت عملية تدبير الفائض والخصاص في ظروف جد عادية. المعطى الآخر والذي يكتسي أهمية بالغة في ارتباطه المباشر بهذا الملف، هو أن الانتقالات الواردة على المديرية الإقليمية في نهاية الموسم الدراسي المنصرم في إطار الملفات الاجتماعية (الحالات الصحية والالتحاق بالأزواج)، كان للسيد المدير الإقليمي رأي مخالف حولها، حيث، وبشكل أحادي أيضا، تم تعيين جميع هذه الحالات داخل الوسط الحضري في تناقض تام مع الإجراء المتخذ في حق الحالات الاجتماعية المشابهة لها، و التي كانت تستفيد من تكليف “مفتوح” بالعمل بالوسط الحضري منذ سنة 2009 . تدبير هذا الملف وبهذا المنطق أفرز مجموعة من المعطيات والاستنتاجات التي من المفروض أن يقف المرء مليا عند بعضها ليأخذ فكرة ولو جزئية عن مدى موضوعية ونجاعة الطريقة التي دبر بها السيد المدير ملفات شائكة، والتي اعتبرها البعض عن قصد أو عدم إحاطة بالموضوع إنجازا غير مسبوق على طريق محاربة “الفساد والمفسدين”.

المعطى الأول:
أن هناك حالات حالفها الحظ، إذ أعيد تكليفها مؤقتا بالوسط الحضري بعدما أصبحت فائضة بمؤسسة التعيين في أعقاب نتائج عملية تدبير الفائض والخصاص، وهو إجراء مسطري قانوني. وهناك حالات أخرى رفضت الالتحاق بالمدارس الفرعية بعدما لم تتمكن من استرجاع مناصبها بالمدراس المركزية، ولجأت إلى تقديم الشواهد الطبية، الواحدة تلو الأخرى، وإلى حدود هذه الساعة، مما تسبب في هدر معتبر الزمن المدرسي للتلميذ، الشيء الذي يطرح أكثر من تساؤل عن القيمة التربوية المضافة لهذا الإجراء الذي أقدم عليه السيد المدير الإقليمي. وبطبيعة الحال كان منتظرا أن يتمخض عن مثل هذا الإجراء بروز حالات أكثر حدة، كما هو الشأن في إحدى الحالات التي تعتبر نموذجا صارخا في الظلم الإداري، ويتعلق الأمر بحالة أستاذ (ة) لها تسعة وعشرون سنة كأقدمية عامة في الوظيفة التحقت سنة 2009 بمديرية وجدة انكاد في إطار حركة اجتماعية رسمية (ملف صحي أو التحاق بالزوج)، وبعدما قضت سبع سنوات بإحدى المؤسسات التعليمية بالوسط الحضري بتكليف رسمي من الإدارة، ألغى السيد المدير هذا التكليف وألحقها بالمؤسسة التي عينت فيها بشكل مؤقت سنة 2009. بالمقابل فإن الحالة الثانية هي لأستاذة لها أقدمية سنتين في الوظيفة، يعني أقل أقدمية وأقل تنقيطا من الحالة الأولى، التحقت بدورها هذه السنة بمديرية وجدة أنكاد في إطار حركة اجتماعية قانونية و كان للسيد المدير الإقليمي رأي مخالف حولها حيث عينها داخل الوسط الحضري. إذا وضعنا هذا الإجراء في إطار مفهوم الحكامة الجيدة، ومبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص، وغيرها من المبادئ والقيم التي ما فتئ السيد المدير نفسه يؤكد عليها ويحث عليها الآخرين في خطابه الرسمي والموازي. بهذا المنطق أين نحن إذن من كل هذا؟ أليس هذا منتهى الحيف الإداري الذي مارسته الإدارة في حق هذه الحالات؟

المعطى الثاني:
يتجسد هذا المعطى في كون الإدارة وجدت نفسها مع بداية الدخول المدرسي أمام حالات متعددة لشكايات وتظلمات من طرف الأساتذة مرتبطة بإعداد التنظيمات التربوية لمجموعة من المؤسسات، حيث إن هناك أستاذات ممن ألغي تكليفهن أرجعن للمجموعات المدرسية التي غادرنها سنة 2009 ووجدن أن مناصبهن بالمدارس المركزية بهذه المؤسسات قد تم شغلها من طرف أساتذة آخرين، بمعنى أن لا منصب شاغر داخل المدرسة المركزية، وعليهن الالتحاق بإحدى المدارس الفرعية التي لا تتوفر فيها بالضرورة نفس الشروط المريحة التي تتوفر في المدرسة المركزية. هذا المنطق الذي عوملن به غير سليم من الناحية الإدارية، بحيث أن الموظف لما يكون في وضعية تكليف رسمي (أي يؤدي مهمة رسمية كلفته بها الإدارة) وتنتهي مدة تكليفه يعود مبدئيا إلى منصبه الأصلي وهذا إجراء معمول به في جميع الإدارات العمومية ولا تكرهه الإدارة على الالتحاق بمنصب لم يطلبه، إلا في إطار توافقي. وإن حدث العكس، فإن الإدارة تكون ظالمة في حقه على اعتبار أنها عاقبته بحرمانه من الرجوع لمنصبه الأصلي بعدما قدم لها خدمة بمقتضى تكليف رسمي كانت هي من ورائه. وبالمقابل إذا ما تصرفت الإدارة بشكل مخالف وأزاحت أستاذا (ة) من منصبه داخل المدرسة المركزية وألحقته بإحدى المدارس الفرعية لتمكين الأستاذ (ة) الذي عاد لمقر عمله الأصلي من استرجاع منصبه الأصلي بعد انتهاء مدة تكليفه، وهو ما حدث بالفعل لحالة أستاذة قضت أكثر من عشر سنوات بهذا المنصب، واتضح بعد إزاحتها أن وضعيتها الاجتماعية هي الأخرى جد معقدة، مما زاد في معاناتها. السؤال الذي يطرح نفسه، هو ما ذنب هاتين الأستاذتين حتى تكرههما الإدارة على تقبل واقع ظالم أفرزه إجراء إداري متسرع كانت الإدارة في غنى عنه ، لو تريثت قليلا واحتكمت لمنطق العقل.

المعطى الثالث:
يتضح هذا المعطى من خلال تحليل الطريقة التي دبر بها المسؤولون الإقليميون السابقون ملف هذه الفئة من نساء ورجال التعليم، والتي لا تحتاج لكثير عناء ليتوصل المرء إلى نتيجة واحدة وهي أن الإدارة، وبغض النظر عن ذكر الأشخاص، أخطأت في تدبير هذا الملف، بحيث كان يتوجب منذ البداية تعيينهم داخل المدار الحضري. ولما تعذر هذا الإجراء لسبب من الأسباب، فإن الإدارة كان عليها أن تحول التكليف إلى تعيين وفاء لالتزاماتها في الموضوع مع الشركاء الاجتماعيين، والذي تؤكده محاضر مشتركة موقعة بين بعض المسؤولين آنذاك وباقي الشركاء الاجتماعيين، وهو ما لم تقم به للأسف. يستشف من كل هذا أن الإدارة أخطأت في حق هذه الفئة مرتين، المرة الأولى حين لم تبادر إلى تسوية هذه الوضعية الشاذة وتركتها على هذه الحالة لمدة سبع سنين، والمرة الثانية لما حاولت تدارك الأمر فعمدت إلى تصحيح الوضع بعد مضي سبع سنين فصححته على حساب الموظف الذي لم يكن له يد في هذا الخطأ، وبالتالي فإن الإدارة عمقت الخطأ بدل تصحيحه كما يعتقد البعض. في مثل هذه المواقف يتضح الدور الحاسم الموكول للمسؤول في التعامل مع وضعيات حرجة كهذه، حيث قبل اتخاذ القرار القاضي بإلغاء جميع التكليفات مهما كانت خصوصيتها والشروع في عملية تدبير الفائض والخصاص، كان من المفروض الانتباه جيدا إلى خصوصية هذا الملف، لأن الأمر لا يتعلق بتكليفات ترجع لسنة أو سنتين ولكن لوضع ظل قائما منذ سنة 2009، وبشأنه التزامات مسؤولين إقليميين سابقين مع الشركاء الاجتماعيين، ناهيك عن الأضرار المادية والمعنوية التي سيتسبب فيها هذا القرار للمعنيين بالأمر، ومن ورائهم محيطهم الأسري، علما أن الوزارة نفسها حريصة أشد الحرص على الاستقرار النفسي والاجتماعي لنساء ورجال التعليم كما تشير لذلك المذكرة الإطار رقم 056/15 المنظمة للحركات الانتقالية ويؤكده هذا المقتطف من ديباجتها: “تندرج هذه العملية (أي تنظيم الحركة الانتقالية) ضمن استراتيجية الوزارة واهتمامها بالحياة الإدارية والاجتماعية لنساء ورجال التعليم وعلى الخصوص الجانب المتعلق بالاستقرار النفسي الذي يضمن العمل في ظروف ملائمة”، كما تنص أيضا في ديباجتها على مبدئي ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المترشحين، وضمان استقرار الأطر التعليمية والإدارية. إذا أضفنا إلى هذا مبدأ إعطاء الأولوية للالتحاق بالزوج والزوجة، ولجوء الوزارة إلى تنظيم حركات من مستويات متعددة (وطنية، جهوية، محلية، ملفات اجتماعية…)، فبهذا الإجراء، على أية مسافة نحن إذن من توجهات الوزارة نفسها؟
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا السياق، هل كان ضروريا أن يفتح هذا الملف في هذا الظرف بالذات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل كان يجب التعامل معه بهذه الطريقة؟ كنا نتوقع أن يتم التعامل مع هذا الملف بإحدى الطريقتين الآتيتين: إما أن يترك الوضع على ما كان عليه، على اعتبار أنه لم تكن للسيد المدير الجديد يد فيه، وبالتالي فهو ليس مسؤولا عن الأخطاء التي ارتكبها غيره، وهو الوضع الذي تعامل معه المديرون الإقليميون السابقون، وبصفة خاصة المدير الإقليمي السابق واجهته بدوره عملية تدبير الفائض والخصاص برسم الموسم الدراسي 2015/2016، حيث مرت العملية في ظروف عادية جدا ولم يعرف السير العادي للمؤسسات التعليمية أي خلل يذكر. وإما أن يتم التعامل مع هذا الوضع الاستثنائي في إطار مبدأ استمرارية الإدارة، وذلك بإحالة الوضع برمته على المصلحة المركزية المختصة بالوزارة، بعد إعداد ملف مفصل و متكامل في الموضوع بالتنسيق مع الشركاء الاجتماعيين وإدارة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين يبرز من خلاله الطابع الاستثنائي للحالات المعنية بهذه التكليفات المفتوحة مع الإشارة إلى السياق التربوي والاجتماعي الذي حدث فيه، وتوضيح حيثياته والتزامات المسؤولين السابقين بشأنه، والإكراهات المرتبطة بمعالجته، وتقديم اقتراحات عملية لتدبيره تحمي حقوق الموظف من جهة، وتراعي مصلحة الإدارة من جهة أخرى. أما خارج هاتين الطريقتين، فهي المغامرة التي تفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات، والوضع الحالي لخير دليل على ذلك.

المعطى الرابع:
الحالات التي تم إلغاء تكاليفها كانت إلى حدود تنفيذ قرار الإلغاء تمارس مهامها بمؤسسات التكليف في ظروف تربوية وإدارية عادية، وبالرجوع إلى البرنام الذي تدبر به الوزارة وضعية مواردها البشرية ” esise ” يتضح أن الحالات المذكورة محسوبة إداريا على المؤسسات التي تعمل بها، بل إن البعض منها يتوفر على وثائق إدارية رسمية تؤكد هذه الحقيقة، مع الإشارة أيضا إلى أنهم كانوا إلى حدود إلغاء تكليفاتهم يوقعون محاضر الدخول والخروج بمؤسسات التكليف وليس بمؤسسات التعيين. هذه الحقائق مهمة جدا لأن البعض اختلطت عليه الأمور فظن أن الأمر يتعلق بالأشباح وبأشباه الأشباح والمعفيين من التدريس، وما إلى ذلك من التهم المجانبة للصواب. إذن نحن هنا والحالة هاته أمام إجراء إداري غير سليم من منظور الحكامة الجيدة التي تعول عليها الوزارة كثيرا في تنزيل الإصلاح التربوي الحالي، بحيث أنه من المفترض، بحسب هذه المعطيات الرسمية، أن تكون هذه الحالات المستفيدة من التكليفات تابعة في الأصل لمؤسسات التكليف، وليس لمؤسسات التعيين. ولتوضيح مدى حجم الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة في تدبير هذا الملف، أقف عند حالة من الحالات السالفة الذكر، ويتعلق الأمر بأستاذة كانت تعمل خارج الجهة والتحقت بمديرية وجدة انكاد بمقتضى مراسلة وزارية في إطار معالجة الحالات الاجتماعية سنة 2008 وعينت بمجموعة مدرسية تبعد عن مدينة وجدة بحوالي خمسين كيلومترا كإجراء أولي، ليتم تكليفها بعد ذلك بالعمل بالوسط الحضري إلى أن أرجعت هذه السنة من حيث بدأت سنة 2008. هذه الأستاذة شاركت في الحركة الجهوية والمحلية نهاية الموسم الدراسي 2015/2016 وطلبت من بين ما طلبت من المؤسسات التعليمية داخل المدينة المدرسة التي كانت مكلفة بها، إلا أن طلبها لم يحظ بالقبول لتفاجأ في بداية الموسم الدراسي الحالي بالمذكرة المديرية رقم 4189 بتاريخ 07/09/2016 تنشر لائحة المناصب الشاغرة بالوسط الحضري والتي ناهزت الثمانين منصبا، من بينها ستة مناصب شاغرة بالمؤسسة التي طلبتها ولم يلب طلبها بعد الانتهاء من عملية تدبير الفائض والخصاص بقيت هذه المناصب الستة شاغرة بهذه المؤسسة، لتلجأ الإدارة إلى وضعها رهن إشارة الأساتذة الذين التحقوا نهاية الموسم الدراسي المنصرم بمديرية وجدة أنكاد في إطار الملفات الاجتماعية (ملفات صحية، والالتحاقات بالأزواج)، وبالرغم من كل هذه العمليات، وفي نهاية المطاف بقيت هناك ستة مناصب شاغرة بهذه المؤسسة غطتها الإدارة بتكليفات جديدة استفاد منها أساتذة كانوا فائضين بمؤسسات أخرى بالعالم القروي أقل نقاط منها. لم تقف معاناة هذه الأستاذة التي تعاني هي الأخرى من مرض مزمن عند هذا الحد، حيث ما لبثت أن استبشرت خيرا بتكليفها من جديد بالعمل بإحدى المدارس بالوسط الحضري بعد ضم مستويين (في إجراء إداري غير مفهوم تربويا) بالمجموعة المدرسية التي أرجعت إليها قسرا، و في أقل من أسبوع فوجئت بإلغاء هذا التكليف والعودة من حيث أتت في ظرف جد وجيز فقط كانت هذه الأستاذة موضوع قرارين متناقضين، وهذا مؤشر آخر ليأخذ المرء فكرة ولو بسيطة عن الطريقة التي أمست تدبر بها الملفات والقضايا التربوية بالإقليم.
السؤال الآخر والذي لا يقل أهمية عن الأول، هو ما ذنب هذه الأستاذة ومعها زميلها وزميلاتها، وما علاقتهم بالأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الإدارة حتى يشردوا قسرا، ويوزعوا على قرى ودواوير، وقد التحقوا بمديرية وجدة أنكاد بطرق قانونية ووفق المساطر التي يشتغل بها القطاع والتي تضمن لهم الاشتغال بالقرب من أسرهم كما هو جار به العمل في مثل هذه الحالات، على غرار الحالات التي متعها المدير الإقليمي بهذا الامتياز في بداية السنة الدراسية. ما يجب أن ننتبه إليه جميعا هو أن تدبير هذا الملف بهذه الطريقة لم ينحصر ضرره عند الحالات المعنية به مباشرة، ولكن امتد ليمس الاستقرار الاجتماعي والنفسي لأسرهم، وللأساتذة العاملين بالمؤسسات التي أرجعوا إليها جراء التغيير الذي لحق مناصبهم داخل المجموعات المدرسية، وللمديرين الذين وجدوا أنفسهم في وضعية حرجة أثناء إعداد التنظيمات التربوية، ولهيئة التفتيش التي اضطرت في إطار لجان رسمية، بشكل فردي لمعالجة التظلمات الواردة على المديرية، وأيضا للمصلحة المختصة داخل المديرية الإقليمية التي عانت الأمرين ولا زالت من تداعيات هذا الإجراء المتسرع، وبطبيعة الحال لم يسلم المدير الإقليمي نفسه من تبعات قراره لما أفرزه من تطورات لاحقة على المشهد التربوي بهذه المديرية والذي يعكسه جو التوتر والاحتجاجات التي لم تتوقف لحد الآن. ولو افترضنا جدلا أن باقي المسؤولين حذوا حذو السيد المدير وألغوا جميع التكليفات المشابهة على مستوى الجهة، وعلى المستوى الوطني وبنفس المنطق الذي اعتمده، لخلت بعض المديريات والأكاديميات من معظم موظفيها ولاختلط الحابل بالنابل وعمت الفوضى جميع المديريات على الصعيد الوطني. للأسف، ما لا يريد أن يفهمه البعض، أن الخطأ في آخر المطاف هو خطأ الإدارة بامتياز، وإصلاح الخطأ في إطار مبدأ استمرارية الإدارة مبادرة جيدة، لكن ليس من المعقول وبأي حال من الأحوال أن يغيب المسؤول الإداري مبدأ آخرا ذا بعد قانوني حقوقي، وهو عدم تحميل الموظف فاتورة خطأ الإدارة، لعدم ثبوت مسؤوليته في الخطأ، لا من بعيد ولا من قريب.
ما نرمي إليه من استعراض حيثيات وأبعاد هذا الملف، هو أن تدبير شؤون المرفق العام، أيا كان القطاع، قد يستوجب في بعض الأحيان اتخاذ قرارات حساسة يتطلبها موقف معين، أو تمليها ضرورة من ضرورات استمرار الخدمة العمومية. وليس بالضرورة دائما أن يكون القرار متطابقا تطابقا تاما مع النص الحرفي للقانون ليحقق النجاعة المتوخاة، ولكن في حالات كثيرة نستطيع أن نحقق بروح القانون ما لا نحققه بنص القانون، شريطة أن يستحضر المدبر قدرا معينا من الحكمة والتبصر، وأن يبتعد قدر الإمكان عن التسرع والاندفاع، لأن القانون إنما وضع في نهاية المطاف ليعالج ما هو عام وليس حتما الحالات الاستثنائية والشاذة، وإلا لما أوجد المشرع مستويات متعددة من التقاضي: القضاء الابتدائي، الاستئنافي، النقض والإبرام،… وأكثر من هذا وذاك، فإن الجهات الرسمية الموكول إليها تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، بما تتوفر عليه من ترسانة قانونية وإمكانات مادية وبشرية، تجد نفسها في حالات معينة أمام استحالة التنفيذ لسبب ما من الأسباب الموضوعية التي تحول دون ذلك.
ما يجب أن يستوعبه البعض، أن جملة من المواقف والقرارات والإجراءات التي اتخذها السيد المدير منذ أن حل بهذه المديرية لا تستند إلى سند قانوني، وأن البعض منها وإن كان قانونيا، فإنها جاءت متسرعة وغير مدروسة وأعطت عكس ما كان يتوقع منها، وأن بعضها شمل حالات وجب تفهم خصوصياتها، لأن منها من تعاني من أزمات نفسية وأمراض مزمنة، ومنها من تصارع متاعب وصعوبات الحياة من أجل ضمان لقمة عيش لها ولأسرها، والشهادة الحية التي قدمتها إحدى الأستاذات المتضررات من أحد قرارات السيد المدير الإقليمي أثناء الوقفة الاحتجاجية المنظمة مؤخرا من طرف التنسيقية المحلية أمام مقر المديرية الإقليمية لخير دليل على ما نقول ونكتب. إن التصرف مع هذه الحالات بالطريقة الذي تصرف بها قد يفضي يوما إلى ما لا يحمد عقباه لا قدر الله، ولنأخذ جميعا العبرة من أحداث مؤلمة عاشتها بلادنا في الأيام الأخيرة كان سببها المباشر قرار متسرع لا يهم كثيرا من اتخذه، ولكن العبرة بما أفضى إليه.
ختاما أتمنى أن نكون، ومن خلال التطرق لهذا الملف بالذات، قد ألقينا بعض الضوء على جوانب مهمة منه لم يستحضرها البعض لما انتقد موقفنا منه والمتمثلة أساسا في كون الحالات التي تم إلغاء تكاليفها المفتوحة بالوسط الحضري هي لنساء ولرجال تعليم التحقوا بمديرية وجدة أنكاد بشكل قانوني، وكانوا يمارسون مهامهم بأقسامهم ولم يستفيدوا قط، لا من إعفاءات من التدريس، ولا من تكليفات زبونية داخل الوسط الحضري كما يروج له، وإنما كانوا ضحية تدبير إداري غيب منطق التأني والتبصر وتبنى بالمقابل منطق التسرع والاندفاع، وهو المنطق الذي اتخذنا منه موقفا واضحا وصريحا منذ البداية، لأنه ساهم بشكل كبير في إنتاج هذا الواقع المرير الذي لم تعرف له مديرية وجدة أنكاد مثيلا منذ إحداثها. وفي جميع الأحوال، فليتذكر كل واحد منا أننا ماضون لا محالة، والسيد المدير الإقليمي ماض أيضا، والذين يشيرون إلينا عمدا أو عن غير قصد أننا نعيق توجهه في محاربة “الفساد”، أنهم ماضون بدورهم، ولكن التاريخ سيسجل لا محالة لكل منا مواقفه، وستحكم الأيام بيننا حتما، لتظهر المخطئ من المصيب، ولو بعد حين. ولئن أصر السيد المدير الإقليمي على عدم مراجعة مقاربته في تدبير الأمور بهذه المديرية فذاك خياره، ولكن ما هو مؤكد أننا سنظل ثابتين على مواقفنا نسمي الصواب صوابا والخطأ خطأ إلى أن يظهر الحق حقا والباطل باطلا.

محمد ناصـــري – الكاتب الجهوي لنقابة مفتشي التعليم

أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من النقابة الوطنية للتعليم -ف د ش- SNE/FDT

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading