آخر المستجدات

يحق للفدرالي أن يجهر بالصوت عاليا (فهو جزء من تنظيم نقابي ديموقراطي)

عاصم منادي إدريسي 

assem mounadi idrissiبعد مرور أزيد من ست سنوات، صادفت مدرسا قضيت برفقته موسم التكوين بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس. وبعد دردشة قصيرة عن الأحوال الصحية والعمل سألني مباشرة عن انتمائي النقابي، وفوجئ كثيرا وهو يسمع مني أنني مناضل في النقابة الوطنية للتعليم، العضو في الفدرالية الديموقراطية للشغل، مؤكدا أنه كان ينتظر أن يراني في موقع آخر، ومبررا دهشته بالقول بأن تحالف الفدرالية والكونفدرالية والاتحاد المغربي للشغل قتل أحلام وتطلعات الشغيلة والطبقة العاملة في انتزاع مكتسبات جديدة وتحصين السابقة.

وبما أن المقام لم يكن مناسبا للدخول في نقاش حول المواقف والاختيارات (المسيرة الوطنية بالرباط تضامنا مع الأساتذة المتدربين) فقد اكتفيت بإخبار زميلي بأن معلوماته حول مركزية الفدرالية وما عاشته في السنة الماضية وطبيعة تحالفاتها وتنسيقها قديمة تحتاج للتجديد والتحيين، وأني متأكد من اختياري النقابي ومقتنع من أنني في الموقع المناسب، وهي فرصة لأوضح دوافع وأسباب هذا الاختيار، والتي أجمعها في الملاحظات التالية :
الفدرالية الديموقراطية للشغل بعد المؤتمر الرابع ليست هي الفدرالية قبله. فقبله كان المكتب المركزي السابق بزعامة الكاتب العام المخلوع “العزوزي” قد رهن القرار الفدرالي وجمده تحت مبرر السلم الاجتماعي الذي اختارته القيادات النقابية لمركزيتي الكدش والإمش، وذلك ضدا على إرادة الفدراليين الذين دعوا في أكثر من مناسبة مكتبهم المركزي إلى فك التحالف ما دام قد أصبح معرقلا للخط النضالي التصعيدي الذي تفرضه المرحلة، في وقت يشهد هجوم شرسا للحكومة على مكتسبات الموظفين والمأجورين وعموم الشعب المغربي.

أمام استمرار المكتب المركزي في رفع ورقة التحالف النقابي كمبرر للصمت، أدرك الفدراليون بحكمتهم أن إطلاق الفعل النضالي مجددا يستلزم تحرير القرار النقابي الفدرالي من هيمنة شيوخ النقابات الذين يحتمي بهم العزوزي واستعادته مجددا. ورغم حساسية المرحلة وضغوطها اختار الفدراليون القرار الأصعب، وطالبوا المكتب المركزي بالخضوع للمحاسبة أمام برلمان النقابة (المؤتمر الوطني)، وأمام رفض المخلوع وجماعته الخضوع للمحاسبة كان القرار الفدرالي هو طردهم جميعا خارج المنظمة، في مظهر من مظاهر التطهير للتخلص من كل الوصوليين الذين يستغلون المنظمة لأهداف شخصية ومصالح ضيقة تبعدها عن مسؤوليتها التاريخية في الدفاع عن ممتسبات الشغيلة والموظفين.

وبمجرد استعادة القرار الفدرالي بادرت الفدرالية الديموقراطية للشغل إلى الدعوة لإضراب وطني عام يوم 23 شتنبر 2014، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة توجهه إلى تنفيذ تصوره لإصلاح التقاعد، وفي الوقت الذي كانت فيه التنظيمات النقابية الأخرى تتفرج صامتة بدون حراك. غير أن نجاح الإضراب والانخراط الواسع للموظفين جعل رئيس الحكومة يعيد الحسابات مجددا، بعدما تبين له إجماع الشغيلة على رفض منظوره في الموضوع.

كان من نتائج قرار الإضراب أن تأكد رئيس الحكومة من أن الفدرالية الديموقراطية للشغل لن تتفرج ولن تسكت عن سياساته، وأنها ستنزل للشارع وتخوض الإضرابات دفاعا عن مصالح الشغيلة. وفي الوقت نفسه وجدت قيادات المركزيات الأخرى نفسها محرجة أمام قواعدها فلم يكن أمامها من خيار إلا أن تعلن عن محطة نضالية تجسدت في إضراب 29 أكتوبر 2014، الذي انخرطت فيه الفدرالية أيضا وبقوة.

غير أن الشجاعة التي أعلنها الفدراليون في مواجهة الدولة لم تمر دون عقاب. ولذلك سرعان ما انطلقت فصول المؤامرة بين رئيس الحكومة من جهة، وقيادتا مركزيتي الكدش والإمش من جهة ثانية على خلق مشكل داخل الفدرالية يشغل مناضليها ويستنزف طاقتهم ومجهوداتهم. وكانت الوسيلة التي استخدموها لهذا الغرض هي الكاتب العام المخلوع “العزوزي” وبطانته الفاسدة، تلكم الجماعة التي لم تستسغ الطريقة التي لفظتها بها قواعد الفدرالية خارج التنظيم، ولم تتقبل فكرة حرمانها من الامتيازات ومظاهر الريع التي كانت تتمتع بها على حساب التنظيم. ولم تمض أيام حتى بات الإعلام الرسمي يروج لفكرة ازدواجية القيادة النقابية داخل الفدرالية، رغم أن المكتب الجديد بزعامة ” عبد الحميد فاتيحي ” المنبثق من المؤتمر الرابع كان قد تحصل على الوصل الرسمي الذي يفيد بشرعيته القانونية كممثل حقيقي للفدرالية. وبالرغم من المعارك الجديدة التي توجب على الفدراليين خوضها ضد القيادات النقابية اللاديمقراطية، وضد سلوك رئيس الحكومة المنتهك لقوانين الدولةوهو يستدعي المخلوع تحت ضغط القيادات الأخرى، فقد حرصوا على خطهم النضالي التصعيدي الذي بلوروه على شكل مسيرة وطنية تلتها وقفات جهوية فرضت على رئيس الحكومة وإعلامه الاعتراف رسميا ب”فاتيحي” ممثلا شرعيا للفدرالية، وهو ما تجلى في استفادة الفدرالية ممثلة في كاتبها العام “فاتيحي” من الدعم الحكومي ومشاركتها في جلسات الحوار الاجتماعي، ثم ذهاب وفدها الرسمي إلى المؤتمر الدولي للأممية العمالية، وأخيرا منع المخلوع وجماعته المطرودة من الترشح باسم الفدرالية الديموقراطية للشغل في الانتخابات المهنية الأخيرة، مما اضطرهم لخوض الانتخابات تحت مظلة مركزية الإمش.

  بهذه الطريقة كانت مؤامرة الازدواجية تلفظ أنفاسها وتسقط على صخرة الصمود الذي تحلى به مناضلو ومناضلات الفدرالية الديموقراطية للشغل، وفي بلد تحترم فيه الحكومة نفسها كان المخلوع سيحاكم بتهمة انتحال صفة غير قانونية. وكانت قيادتا الإمش والكدش ستحاكمان بتهمة التعاون مع شخص ينتحل صفة تنظيم وهمي لا يمثل به أحدا في الواقع. أما والحال كما هو اليوم فالمخلوع ما يزال يؤثث مشهد الشيوخ المتقاعدين الخائفين من الديموقراطية والتغيير، الراغبين في الهيمنة على الجميع وقتل الفعل الاحتجاجي وتشويه العمل النقابي خدمة لمصالحهم وضمانا لاستمرارهم في مركز القيادة.

لذلك أدعو كل الموظفين إلى تجديد معلوماتهم فيما خص موضوع القيادة الشرعية داخل الفدرالية، والتأكد من أن الازدواجية كانت لعبة صنعها تحالف يعادي الديمقراطية ولا مصلحة له في عودة الفعل النقابي الجاد والمسؤول إلى الشارع مجددا. فالفدرالية الحقيقية والمعترف بها رسميا وقانونيا ودوليا تعقد مجالسها الوطنية دوريا وتنتظم أجهزتها وقطاعاتها بالشكل العادي، وشاركت في الانتخابات المهنية بطريقة قانونية. أما المخلوع “العزوزي” الذي لا يمثل إلا نفسه فيحتفظ به شيوخ المركزيات الأخرى لإيهام قواعدهم بفشل محاولة التغيير من جهة. ويقبل به رئيس الحكومة ليضمن توقيعه باسم الفدرالية على تمرير بنود الإصلاح فيما خص موضوع التقاعد من جهة أخرى.

إنني متيقن يا زميلي من أنني في الموقع الصحيح للأسباب التالية :

  1. لأنني في تنظيم ديموقراطي تستطيع فيه القواعد أن تصنع القرار، وتتصرف فيه القيادة المركزية بصفتها جهازا تنفيذيا يتولى تطبيق القرارات الصادرة عن المجلس الوطني. وخير دليل على ذلك هو الخطوات النضالية التي دخلت فيها الفدرالية منذ الموسم الماضي. وهو الأمر الذي ألمسه داخل أجهزتنا النقابية محليا وجهويا، حيث نختار التنسيق والخطوات النضالية والقرارات التي نراها مناسبة دون العودة لأحد. وهو هامش من حرية ممارسة العمل النقابي لا يتوفر في الكثير من التنظيمات النقابية مركزيا وقطاعيا.
  2. أثق بأنني في الموقع الصحيح لأن الفدرالية الديموقراطية للشغل هي النقابة التي كسرت هدنة السلم الاجتماعي التي استمرت لسنوات، واختارت العودة إلى الشارع في الوقت الذي كانت قيادات المركزيات الأخرى باستثناء الاتحاد العام للشغالين تبارك خطوات الحكومة وسياساتها المعادية لمصالح الموظفين وعموم المأجورين.
  3. وما يجعلني فخورا بكوني جزء من هذا التنظيم، هو الجرأة التي تحلى بها المجلس الوطني للفدرالية الديموقراطية للشغل، وهو يدعو لاجتماع استثنائي من أجل الرد على عزم رئيس الحكومة تنزيل بنود الإصلاح كما تصوره معتمدا سياسة فرض الأمر الواقع من جهة، والتنديد بالعنف الدموي الذي تعرض له الأساتذة المتدربون في المركز الجهوي للتربية والتكوين بإنزكان. وفي الوقت الذي تراجع فيه التنسيق النقابي الذي يضم مركزيات الكدش والإمش والإعش عن خطوة الإضراب العام، واكتفائه بوقفة باهتة أمام البرلمان، أعلنت الفدرالية عن خوضها إضرابا وطنيا في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية مرفوقا بمسيرات ووقفات احتجاجية جهوية دعما للأساتذة المتدربين في معركة العزة والكرامة، ورفضا للتصور الحكومي لإصلاح التقاعد.

أجل. متأكد من أنني في الموقع الصحيح، لأننا في الفدرالية نتموقع إلى جانب قضايا الجماهير وهموم الشغيلة وندعمها بكل إمكانياتنا ومستعدون لدفع تكلفة ذلك. ولن أسأل عن الخطوات التي خاضها الآخرون سابقا أو سيخوضونها مستقبلا، لأنني تعلمت في الفدرالية احترام كل التنظيمات والمناضلين وعدم تبخيس عمل أي كان. أما في التعليم، فللجميع أن يسألوا أجيال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات عن المكتسبات التي حققتها الشغيلة التعليمية بمعية إطارها النقابة الوطنية للتعليم الذي غادر مركزية نقابية تقليدية، بحثا عن استقلالية القرار التي كانت تخنقها النزعة الاستبدادية للكاتب العام الخالد على رأس تلك المركزية، قبل أن يصبح عضوا مؤسسا للفدرالية الديموقراطية للشغل.

أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d