حتى لا يعودوا مجددا…عاقبوهم بدعم قوى اليسار
عاصم منادي إدريسي
قبل خمس سنوات من الآن، كنتم أيها المغاربة تعيشون وضعا استثنائيا جسدته يقظتكم وحركية احتجاجات شبابكم ومعطليكم ومظلوميكم المتطلعين إلى دولة الحق والقانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، والذين عانوا الويلات بسبب أشكال الفساد الإداري المستشري داخل المؤسسات العمومية وغياب المراقبة والمحاسبة والمتابعة القضائية ضد المسؤولين عن هذا الفساد.
يومها رفعتم شعارا دعوتم فيه إلى “محاربة الفساد ومتابعة المفسدين وناهبي المال العام”، وهو الشعار ذاته الذي ركب عليه حزب العدالة والتنمية، ووعد قادته بتنزيله وتفعيل آليات المحاسبة والمتابعة القضائية من أجل محاربة الإفلات من القانون والقضاء. ثم تحقق لهذا الحزب ما أراد عندما نجح في تصدر الانتخابات السابقة وتولى مسؤولية “الحكم” بالمغرب بتعاون مع فرقاء اختارهم زعيم الحزب الحاكم “بنكيران”.
وبينما كنتم تأملون أن يفي الحزب الحاكم بوعوده ويبدأ إجراءات مرحلة “محاسبة المفسدين المدانين بنهب المال العام” فاجأكم رئيس حكومتكم بتنازله عن هذا “الوعد” وخان أمانتكم معلنا أن “عفا الله عما سلف”، متناسيا أنه يتنازل عن حق شعب لم يفوضه صلاحية التنازل من تلقاء نفسه عما ليس له.
ولم يكفه التنازل عن حقكم في متابعة المتلاعبين بأموالكم وضرائبكم، بل وبادر إلى معاقبتكم عما جناه الفاسدون المسؤولون عن إفلاس الصناديق المالية العمومية، وهو ما بدأه من خلال رفع الدعم عن المحروقات وحذف “صندوق المقاصة” الذي كان يدعم المواد الغذائية الضرورية التي يقتات عليها أبناؤكم، تاركا إياكم في مواجهة مباشرة مع المستثمرين في قطاع المحروقات، والذين ما زالوا يبيعونكم المحروقات بثمن باهظ يفوق بأضعاف ثمنه البخس في السوق العالمية.
وأمام صمتكم عن هذه الجريمة التي ارتكبها الحزب الحاكم في حق قدرتكم الشرائية، لم يتوان رئيس الحكومة عن مواصلة حلوله المعادية لمصالحكم وحقوقكم؛ وكانت الضربة التالية هي الرفع من قيمة استهلاك فاتورتي الماء والكهرباء بعدما أعلن المكتب الوطني للماء والكهرباء إفلاسه. ودون التفكير في محاسبة المسؤولين عن ما آلت إليه مالية المكتب المقصود من فساد وإفلاس، عمد رئيس الحكومة مباشرة إلى الرفع من قيمة المادتين الحيويتين محملا الشعب البريء تبعات الإفلاس، ومكرسا ثقافة خيانة الوعود التي قطعها للشعب إبان الدعاية الانتخابية. وبما أن عدوى نهب المال العام كانت قد وصلت إلى الصندوق المغربي للتقاعد، وبات هذا الأخير على حافة الإفلاس، فإن رئيس الحكومة لم يفوت الفرصة ليعاقب فئة شعبية واسعة وثقت بوعوده وكانت تنتظر من حكومته المزيد من الدعم والمساندة غداة الارتفاع في الأسعار مقابل تجميد الأجور على أوضاعها القديمة. يتعلق الأمر بمئات الآلاف من الموظفين العموميين البسطاء الذين حملهم الحزب الحاكم تبعات إفلاس الصندوق، وفرض -بتواطؤ مع أحزاب أخرى- تصوره الظالم لإصلاح الصندوق على حسابهم من خلال الرفع من قيمة الاقتطاعات الشهرية وتمديد سن التقاعد واحتساب المعاش على قاعدة أجرة الثماني سنوات الأخيرة؛ غير عابئ بانعكاسات قراره الجائر على المستوى المعيشي لملايين الأسر والعائلات المغربية، والحالة الصحية مئات الآلاف من الموظفين الذين لا تسمح طبيعة مهامهم (التعليم مثلا) باستمرارهم في مزاولة أعمالهم حتى الخامسة والستين من العمر، وغير مهتم بما ستعانيه الأجيال المقبلة من التلاميذ، والتي ستكون مجبرة على التعلم على يد شيوخ وعجائز يحتاجون إلى رعاية طبية لمعالجة أمراضهم الجسدية والعصبية والنفسية…
وبما أن السياسات التي اعتمدتها حكومة بنكيران مست بالأذى كل فئات المجتمع، فقد تحرك المغاربة احتجاجا على القرارات الحكومية المعادية لمصالحهم ومستقبل أبنائهم، يتعلق الأمر بالمعارك النضالية التي خاضتها النقابات المركزية والقطاعية (إضرابات عامة، .مسيرات، وقفات…) إلى جانب المعركة البطولية التي خاضها الأساتذة المتدربون طيلة شهور طويلة؛ وكأي زعيم / طاغية لا يقبل النقد ولا يؤمن بالعمل التشاركي ولا بقيم الديمقراطية أغلق كل أبواب الحوار والتفاوض ضاربا عرض الحائط بالدستور والديمقراطية وقيم الحوار والتواصل واستكمالا لعقلية الاستبداد، لم يفوت الفرصة لمعاقبة المحتجين والرافضين لسياسته، فبدأ بالاقتطاع من أجور الموظفين ومصادرة الحق في العمل النقابي الذي يضمنه الدستور. وبما أن اقتطاعاته وتهديداته لم تثن المناضلين عن مواصلة الاحتجاجات وخوض المعارك، فإنه انتقل إلى استعمال سياسة وحشية وقمعية أعادت المغاربة إلى سنوات الجمر والرصاص، وكان الأساتذة المتدربون هم الذين نالوا الحظ الأكبر من القمع والتنكيل وتكسير الجماجم وتشويه الوجوه في قصة لا زالت تحفظها آلاف الصور والفيديوهات؛ تلكم المعركة التي وقف فيها الحزب الحاكم ونقابته في مواجهة آلاف الأساتذة المتدربين متربصين بمصيرهم وبمستقبل التعليم العمومي شرا.
واليوم تتابعون أيها المغاربة ما يعيشه أبناؤكم في المدارس العمومية من أوضاع لا تمت إلى التعليم بأية صلة، حيث يتكدسون داخل صفوف بأعداد تفوق الستين في الابتدائي والخمسين في الإعدادي والتأهيلي، ناهيك عن الخصاص المهول الذي يفوق الخمسة والعشرين ألفا في أطر التدريس، وهي نتيجة طبيعية لرغبة الحكومة في تدمير المدرسة العمومية ودفعكم دفعا إلى التوجه للتعليم الخاص ليمتص المضاربون دماءكم بعدما سرقت الحكومة أرزاقكم.
وبعد خمس سنوات من التخريب وسياسة فرض الأمر الواقع على الشعب وبعد الإجهاز على المكتسبات والحقوق والتراجع في مجال الحريات الفردية، وترسيخ التمييز لصالح الأغنياء ضد الفقراء؛ يعود قادة الحزب الحاكم إلى التباكي على أبوابكم واستدرار عطفكم طمعا في ولاية حكومية جديدة يتمكنون فيها من توظيف أبنائهم وقراباتهم وقضاء مصالحهم الخاصة، وما يزالون يحتفظون بقدر وافر من الوقاحة ليعدوكم مجددا بمحاربة الفساد ومتابعة ناهبي المال العام، وهم الذين عكفوا طيلة ولايتهم الحكومية على سحقكم وقمعكم وتفقيركم.
تسمعون دائما بأن “المؤمن لا يلدغ من الجحر نفسه مرتين”؛ وستكونون خلال السابع من الشهر الجاري أمام اختبار حقيقي لتؤكدوا لهؤلاء الطغاة الذين استغلوا الدين وتاجروا بالعقيدة، أن دموعهم وبكائياتهم لن تنطلي عليكم مجددا، وبأنكم لن تنخدعوا بهم كما حدث في انتخابات 2011.
إنها فرصتكم الوحيدة لتعاقبوهم وتبعدوهم عن نعمة السلطان وامتيازات الحكم التي باعوكم مقابل التمتع بها بأبخس الأثمان. إن يوم السابع من أكتوبر المقبل، هو يومكم لتقولوا لهم بأن مغالطاتهم قد انفضحت واتضحت حقيقتهم وتبينت انتهازيتهم وفساد أخلاقهم وزيف شعاراتهم.
إن يوم السابع من أكتوبر الجاري ستكونون أمام اختيارين؛ إما أن تعاقبوا هذا الحزب الذي بذل كل مجهوده مضاعفا ليقنع المخزن بأنه أفضل أداة لتمرير مخططاته مهما كانت طبيعتها، وذلك بتصويتكم المكثف على الأحزاب اليسارية التقدمية، وإما أن تسمحوا له بالعودة مجددا ليسحق ما تبقى من إنسانيتكم وكرامتكم. فلننتظر ولنر ما أنتم صانعون.
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش