في الفدرالية الديموقراطية للشغل لا يوجد الشيوخ، القرار تصنعه القواعد
عاصم منادي إدريسي
يمثل المؤتمر الوطني الفدرالي الرابع لحظة حاسمة في تاريخ العمل النقابي المغربي، لأنه جسد اللحظة التي تمت فيها إعادة إحياء الفعل الديموقراطي داخل المنظمة بعدما غيبه المكتب السابق بزعامة كاتبه المخلوع “العزوزي”. إنها لحظة استعادة القرار النقابي الفدرالي الذي كان الكاتب العام المخلوع قد باعه في سوق الانتهازية والاستبداد والمساومة إسوة بالقيادات النقابية اللاديموقراطية التي وضعت نفسها تحت تصرف الحكومة مقابل استمرارها على رأس المركزيات النقابية لعقود طويلة واستفادتها من الريع الذي يوفره التسيير الفاسد لهذه المنظمات.
يمثل المؤتمر الفدرالي الرابع قيمة رمزية كبرى في وجدان الفدراليين والفيدراليات ، وهي المناسبة التي أثبتوا فيها أن النقابة ليست ملكا للأفراد، ولا ضيعة خاصة بالزعيم يتصرف فيها كما يشاء. بل هي ملك للجماهير من موظفين ومأجورين وعموم الشعب المغربي، وهو ما جسدوه وهم يطالبون بمحاسبة المكتب السابق بزعامة المخلوع “العزوزي”، ثم وهم يطردونه برفقة أعوانه وبطانته الفاسدة خارج المنظمة بعدما رفض احترام قرارات برلمان المنظمة والانضباط لقوانينها التنظيمية.
بعد تطهير النقابة من الطغمة الفاسدة واستعادة القرار الحر عادت الفدرالية مجددا لتكون نبض الجماهير وصوتها. وهو ما تجسد مباشرة في إقدامها على تكسير الهدنة التي عقدتها القيادات النقابية الهرمة بمعية الكاتب العام المخلوع مع الحكومة، فكان أن انطلقت الاحتجاجات والإضرابات في القطاع العام وأجبرت النقابات الأخرى على الدخول محرجة في أغلب المحطات.
ومن يومها أعلن رئيس الحكومة والقيادات النقابية للكدش والإمش حربهم ضد مركزية الفدرالية لسببين. فحرب بنكيران تأتي بسبب خوفه من القرارات الجريئة التي أعلنتها القيادة الفدرالية الجديدة بزعامة “عبد الحميد فاتيحي”، والتي كشفت أن المنظمة ماضية في تصعيدها ضد الحكومة. لذلك سيدعم بنكيران بطريقة غير مباشرة الكاتب العام المخلوع “العزوزي” لخلق مشكلة داخلية في المنظمة احتاجت من الفدراليين شهورا من المعارك مع الحكومة قبل أن يجبروا بنكيران على احترام الديموقراطية والاعتراف بالمكتب الجديد ممثلا شرعيا ووحيدا للفدرالية، وكانت هذه المعارك مناسبة لفضح التواطئ الحكومي ضد الفدراليين بعدما كان المكتب الجديد قد تسلم وصل الإيداع من مصالح وزارة الداخلية، في الوقت الذي يصر فيه رئيس الحكومة وإعلامه الرسمي على تقديم المخلوع كممثل للمنظمة.
أما قيادتا مركزيتي الكدش والإمش فكان لتمسكهما بالمخلوع سبب آخر، وهو خوفهما معا من الديموقراطية، فسقوط حليفهما “العزوزي” بتلك الطريقة المذلة ستشجع مناضلي النقابتين المذكورتين على الثورة ضد القيادات الهرمة التي رانت على صدورهم منذ عقود، فالكل يعرف أن الأموي مثلا يتولى زعامة الكدش مدة تفوق بقاء القذافي زعيما لليبيا في مظهر من مظاهر الاستبداد والتمسك بالزعامة حفاظا على المصالح الخاصة. ولذلك ما زالا متمسكين بالعزوزي يؤثثان به للمشهد ليوهما الرأي العام بأن الأمر يتعلق بصراع داخلي وأنه لا تغيير يذكر، في سلوك يكشف عن زيف شعارات دولة الحق، ففي دولة الحق والقانون يعد “المخلوع=العزوزي” منتحل صفة يجب أن يعاقب قانونيا ما دامت الدولة قد منعته من الترشح باسم الفدرالية في الانتخابات المهنية الأخيرة.
واليوم بعد مرور سنة ونصف على مؤامرة بنكيران وقيادتي كدش وإمش ضد الفدرالية، يستمر الفدراليون في صناعة القرارات النضالية الاستثنائية، بينما يعمق الآخرون الروح الانهزامية والاستسلامية في صفوف الشغيلة. ففي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عزمها تمرير مخططها التدميري فيما خص ملف “التقاعد” اكتفى التنسيق النقابي(كدش.امش.اعشم) بإرسال مذكرة احتجاجية للأممية العمالية، والإعلان عن وقفة احتجاجية أمام البرلمان للتنديد بالهجوم الحكومي على الشغيلة. وهي القرارات التي لم تستجب لتطلعات شغيلة الوظيفة العمومية التي كانت تنتظر قرارات أكثر تصعيدية، غير أن الديموقراطية المغيبة في هذه المركزيات حالت دون ذلك.
وغداة إعلان رئيس الحكومة عزمه تمرير بنود “إصلاح التقاعد” وتقديم بعضها كمشاريع لمجلس الحكومة، في اليوم الذي كانت فيه أجهزة القمع ترتكب أحد أبشع المجازر الدموية في حق الأساتذة المتدربين بمركز انزكان، دعا المكتب الفدرالي المركزي مجلسه الوطني إلى عقد دورة استثنائية يوم السبت 9 يناير 2016 للتباحث في تبعات الهجوم الحكومي على الشغيلة وعلى مكتسباتها وحقوقها. وهو الاجتماع الذي تبنى قرارات جريئة شكلت برنامجا نضاليا تصعيديا سيعيد الموظفين وعموم المأجورين وأبناء الشعب المغربي إلى الاحتجاج بقوة ضد السياسات الحكومية اللاشعبية. فإذا كانت المركزيات الأخرى تعلن عن قرارات محتشمة لتذر الرماد في عيون منخرطيها وقواعدها وتمتص غضبهم، فإن الفدراليين بديموقراطيتهم الداخلية يصنعون قراراتهم بشكل حر، ولذلك أعلن المجلس الاستثنائي عن تنظيم مسيرات جهوية نهاية كل أسبوع من الأسابيع الأربعة المقبلة تضامنا مع الأساتذة المتدربين، في أفق خوض إضراب عام في الوظيفة العمومية يوم 11 فبراير المقبل مباشرة بعد نهاية عطلة الأسدس الأول. إن تقرير هذه الخطوات النضالية ما كان ليتم لولا أن القرار يصنع داخل الفدرالية الديموقراطية للشغل من طرف القواعد التي تنقل للقيادة نبض الشارع وارتسامات الموظفين. إن المساومات التي تدخل فيها القيادات النقابية المركزية والتنازلات التي تقدمها لصالح الحكومة سببها الرئيسي هو سعيها إلى خدمة مصالحها الخاصة وضمان استمرارها في الزعامة وما يعنيه ذلك الاستمرار من فوائد تجنيها هذه القيادات الهرمة. وإذا كانت تحاصر اليوم قيادتنا الفدرالية وتضع في طريقنا العراقيل مترصدة عثراتنا وزلاتنا، فمن أجل التغطية على الركود الذي خلقته في أجهزتها الداخلية، ولتوجيه أنظار قواعدها إلى عدو وهمي لشغلهم عن الأزمات الداخلية العميقة التي تعصف بمنظماتهم، تلكم الأزمات خلقها تدبيرهم الانفرادي واستبدادهم بالقرار النقابي الذي بات يطبخ في صالونات الباطرونا وبمباركة الحكومة. لذلك نستغل هذه الفرصة لتوجيه رسائل واضحة ما فتئت الفدرالية تعبر عنها بوضوح في كل مناسبة.
1.كفدراليين نود التأكيد لكل الزملاء والمناضلين داخل المنظمات النقابية (إمش.كش) المذكورة أننا في الفدرالية لا نعتبرهم أبدا خصوما ولا أعداء كما تروج له قيادتهم .ولا نشكك في نزاهتهم ونضالهم الشريف، بل نحن ضد تدخل قياداتهم في قراراتنا الداخلية ومحاولتهم الفاشلة وضد ديموقراطيتنا في الفدرالية.
- كفدراليين نؤكد لرئيس الحكومة وإعلامه الرسمي أن إصراره على خلق الازدواجية النقابية في الفدرالية، وتمسكه بالمخلوع لا يعرقل مسيرتنا ولن يؤثر على قراراتنا النضالية التصعيدية، بل إننا نطالبه بتوقيف هذه المهزلة التي تضرب في الصميم فكرة دولة الحق وسيادة القانون، وتسيء لها بحكم أن رئيس الحكومة يخالف القانون عندما يتمسك بالمخلوع الذي لم تعد تربطه أية صفة أو علاقة بمنظمة الفدرالية.
3.كفدراليين نتوجه للموظفين والمأجورين وعموم الشعب المغربي بأننا سنكون دوما إلى جانب قضاياهم وهمومهم، وسنجسد وظيفتنا كمناضلين يتموقعون إلى جانب قضايا الشعب، ولن ترعبنا الآلة القمعية ولا الاقتطاعات.
عاصم منادي إدريسي: الكاتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم فدش باشتوكة آيت باها
أترك ردا أو تعليقا مساهمة منك في إثراء النقاش